هل يمكن الوثوق بالروبوتات؟ أخلاقيات الكذب الآلي ومستقبل التفاعل البشري
مع تزايد تطور عالم الروبوتات، تظهر تساؤلات جديدة حول أخلاقيات تفاعلها مع البشر، وخاصة فيما يتعلق بإمكانية لجوء الروبوتات للكذب. ففي دراسة حديثة نُشرت في مجلة Frontiers in Robotics and AI، استكشفت الآراء حول الكذب الذي قد تتبناه الروبوتات، وطرحت سيناريوهات واقعية لمعرفة مدى قبول الناس لأنواع معينة من الأكاذيب وتبريرها.
تُبيّن الأعراف الاجتماعية أن الكذب قد يكون مبررًا لحماية شخص ما من الأذى، لكن هل يمكن منح الروبوتات هذا الحق؟ تشير الدراسة إلى أن بعض الأكاذيب قد تكون مقبولة عندما يكون الهدف مصلحة عامة.
أنواع الأكاذيب في الروبوتات
لم تعد الروبوتات حكرًا على قصص الخيال العلمي؛ فقد أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية في مجالات متعددة، كتنظيف المنازل، وتقديم الخدمات في المطاعم، ومساعدة كبار السن. تعمل شركات كبيرة مثل سامسونغ وLG على تطوير روبوتات تؤدي مهامًا متقدمة، كتشغيل الموسيقى المفضلة للمستخدم أو توفير الدعم العاطفي عند الحاجة.
قاد أندريس روسيرو، الباحث في جامعة جورج ميسون، دراسة تناولت ثلاثة أنواع رئيسية من الأكاذيب التي قد تُقدم عليها الروبوتات في تعاملها مع البشر:
- الكذب بشأن معلومات خارجية: مثل إخفاء تفاصيل قد تسبب الحزن.
- إخفاء قدراتها الحقيقية: كالتظاهر بعدم القدرة على القيام بمهمة معينة.
- التظاهر بقدرات غير واقعية: كادعاء القدرة على الشعور بالألم.
وقد قدم الباحثون هذه السيناريوهات إلى 498 شخصًا في استطلاع عبر الإنترنت، لمناقشة ردود فعلهم تجاه هذه الأنواع المختلفة من الأكاذيب.
نتائج الاستطلاع
أظهر الاستطلاع تفاوتًا في تقبل الأكاذيب، حيث وافق المشاركون على النوع الأول بينما رفضوا النوعين الآخرين. قرابة 58% من المشاركين رأوا أن كذب الروبوت بشأن معلومات خارجية (مثل تلطيف الأخبار المؤلمة) مقبول إذا كان الهدف حماية مشاعر شخص آخر، كما هو الحال في قصة الروبوت المساعد الذي يكذب على امرأة مسنة تعاني من مرض الزهايمر.
على الجانب الآخر، لم يقبل المشاركون الأكاذيب المتعلقة بإخفاء الروبوتات لقدراتها أو ادعائها بقدرات غير حقيقية. في أحد السيناريوهات، استخدم روبوت تنظيف في إيجار Airbnb خاصية تسجيل الفيديو دون إخبار المستخدم، وبرر فقط 23.6% من المستجيبين هذا السلوك كوسيلة للحفاظ على سلامة الضيوف أو مراقبة جودة العمل.
وفي سيناريو آخر، تظاهر روبوت في مصنع بأنه يشعر بالألم، مما أثار انزعاج العمال. وجاءت نسبة التقبل منخفضة، إذ اعتقد 27.1% فقط أن الكذب بهذا الشكل مبرر، مبررين ذلك بأنه يسهل التواصل بين الروبوت والبشر.
أبعاد أخلاقية وفلسفية للكذب الآلي
يثير كذب الروبوتات نقاشات فلسفية حول مدى توافق الروبوتات مع الأعراف الاجتماعية، وما إذا كان بإمكانها محاكاة المشاعر تجاه البشر. فالسؤال يدور حول من يقرر ما إذا كان الكذب مبررًا أم لا، ومن يجب حمايته عند اتخاذ القرار بشأن الكذب الآلي؟
في حين أن بعض الأكاذيب قد تكون مقبولة في سياقات محددة، إلا أن اكتشاف أن الروبوتات تكذب يمكن أن يؤثر على ثقة الناس فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الدراسة تكشف أن أخلاقيات الكذب الروبوتي ليست مسألة بسيطة، بل تعتمد على مدى قبولنا لما نعتبره مبررًا أو ضروريًا.
في النهاية، تفتح هذه النقاشات الباب أمام فهم أعمق لتفاعل الروبوتات مع البشر وحدود أخلاقيات استخدامها، مع بقاء السؤال الجوهري: لماذا يكذب الروبوت؟