مخاوفنا وأحلامنا لماذا نحلم، أحياناً، أحلاماً مخيفة؟
“أحلام مخيفة” هنا لا تعني “أحلاما مرعبة”، هي فقط الأحلام التي تثير في نفوسنا الخوف والقلق والتوتر وربما الحزن، وليس الرعب والفزع، مثلا أن أحلم أنني تائه في الطريق، أو أنني حدثت لي حادثة عندما كنت أقود سيارتي أو أعبر الطريق، أو أنني فقدت وظيفتي وأصبحت عاطلا عن العمل… الخ الخ.
ابتكر عالم النفس السويسري “كارل يونج” مصطلح “اللاوعي الجماعي” للإشارة إلى الجزء من العقل الذي يحتفظ بذاكرة الأجداد، أو الخبرة المشتركة بين البشرية جمعاء، وبينما فسر عالم النفس النمساوي الشهير “سيجموند فرويد” الأحلام على مستوى الغرض، أي كيف يرتبط الحلم بالحالم في الحياة الحقيقية، فسر كارل يونج الأحلام على مستوى الموضوع، أي كيف ترتبط المواضيع المشتركة في اللاوعي الجماعي.
يعني هذا أنه بينما فسر فرويد الأحلام على أنها انعكاس لتجارب شخصية حياتية للحالم، ساهمت في تكوين شخصيته الحالية المتفردة، فسرها يونج على أنها انعكاس لتجارب جماعية قديمة، عاصرها الحالم قديما وليست بالضروة أن تكون قد حدثت له شخصيا، ولكنها ساهمت في تشكيل وعيه بطريقة ما.
ليس مفاجئا أو غريبا أن نحلم كثيرا بمخاوفنا، فلدينا جميعا الكثير من المخاوف.
إذن… مما نخاف؟
نخاف أن نتعرض للأذى، ونخاف أن نتعرض للإذلال، ونخاف من أن نفشل ونخاف أن ننجح أيضا، لأن الفشل مؤذٍ ومُذل، ولأن النجاح له متطلبات وتبعات ومسؤوليات، نخاف أن نكون بمفردنا ونخاف أن تكون لنا علاقات، نخاف من أن نصغي لما يقوله لنا قلبنا، حتى لا نتحمل مسؤولية قراراتنا، نحخف ألا نكون سعداء ونخاف أن نكون في قمة السعادة، فكثيرا ما نُعاقب على هذه السعادة في أحلامنا.
نخاف أيضا ألا نحصل على موافقة أهلنا في كيفية إدارة حياتنا، ونخاف أن نتقبل أنفسنا كما نحن بدون محاولة تغييرها إلى الأفضل، ونخاف من ضعف الصحة ونحاف من الحظ الجيد، لأن الحظ الجيد قد يعني أنه سيعقبه حظ سيئ، نخاف من الحصول على الكثير ونخاف من الحسد، ونخاف أن نبني آمالا على أمور قد لا نحصل عليها.
نخاف كذلك من التغيير ومن عدم التغيير، ونخاف أن يحدث مكروه لأولادنا أو طارئ لوظائفنا، نخاف أن نفقد السيطرة على مصائرنا، ونخاف أن نكون مسؤولين عن حياتنا الشخصية، ونخاف من قوتنا الشخصية لأنها قد تكون مدمرة لحياتنا، نخاف من الفترة القصيرة التي نعيشها، أي الحياة، ونخاف لحظة مفارقة الحياة، ربما لأنها ستفقدنا أهميتنا التي اكتسبناها في الحياة.
غالبا ما يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نعترف بمخاوفنا، ولا سيما لأنفسنا، وقد تشكل الأحلام بداية الاعتراف الذاتي بهذه المخاوف، فيطفو إلى السطح ما كان مدفونا، ولكن ليس بالكامل.
كان هناك حلم يرواد رجلا مرارا وتكرارا، مفاده أنه تم القبض عليه في مخالفة سرعة على الطريق السريع، وبعد تكرار الحلم لمدة سنة، بدأ يفكر أنه لقيامه لعشرات السنين بالغش والنصب في عمله الخاص، وعدم التصريح عن الضرائب المستحقة عليه، قد يتسبب هذا في القبض عليه يوما ما وانتهاء عمله وتدمير مستقبله المهني وحياته الشخصية.
وحلم شخص آخر مرار وتكرارا أيضا أنه يستعد لدخول امتحان في الجامعة وهو غير مستعد على الإطلاق لهذا، فهو لم يستذكر بما فيه الكفاية ليخوض هذا الامتحان، والذي يمثل السقوط فيه فشلا كبيرا في حياته، ليعرف، بمساعدة طبيبه النفسي، السبب في الحلم، وهو أنه كان دائما من المتفوقين أثناء دراسته عندما كان طالبا وفي حياته المهنية عندما كان موظفا، لكنه حاليا على المعاش وانتهى كل ما استمتع به من تفوق ونجاح.
بناءً على هذا، تقول المعالجة النفسية والكاتبة الأمريكية “لوري جوتليب” أن الأحلام المخيفة من ذلك النوع، قد تعني أننا على وشك الاعتراف بنقاط ضعفنا أو بعيوبنا الشخصية أو بأوضاعنا غير الجيدة التي مرت علينا أو التي نعيشها حاليا، والتي نرفض في قرارة أنفسنا أن نتقبلها وأن نشاركها مع أحد غيرنا.
مقتبس من كتاب “ربما عليك أن تكلم أحدا – “Maybe you should talk to someone، للمعالجة النفسية والكاتبة الصحفية لوري جوتليب، وهو كتاب تحكي فيه الكاتبة عن نفسها كمعالجة نفسية، وكمريضة نفسية أيضا.
د. هاني سليمان