لقاء حصري مع رحمة المودن: من عاملة نظافة إلى سيدة أعمال تستحوذ على أقوى صفقات خدمة التنظيف في هولاندا
المغرب: سارة توغر
توقفت دراستها في مستوى الإعدادي بالمغرب، كانت متمردة كما تقول عنها والدتها. متمردة بالمفهوم الإيجابي للكلمة لا السلبي، لذلك، استثمرت مؤهلات شخصيتها المقبلة على النجاح لترسم خرطية حياة من الإنجازات. في أوربا حيث هجرتها، عملت منظفة للأرضيات وغيرها. كانت تجد في قطاع التنظيف مرآة تعكس ثقافة الناس وتقيم عقلياتهم. معطى مكنها من إطلاق شركتها ماس التي ولدت عنها شركات وجمعيات ومبادرات أخرى. والحصيلة سيدة أعمال وشحت بأوسمة ملكية في لندن والمغرب وأمستردام، وقابلت رؤساء وملوكا لا تعتبر لقائها بهم عثرة حظ، بل اعتراف بكفاءة تحدت الصعاب ليصبح لها رقم في عالم الأعمال. رحمة المودن في هذا اللقاء الحصري للعالم.
سيرتك المهنية فيها قصة نجاح غير عادية، من خادمة في قطاع النظافة إلى سيدة أعمال مشهورة،وشحت بوسام ملك هولاندا وملك المغرب. كيف حصل هذا التطور في حياتك؟ وهل ريادة الأعمال محظ صدفة؟
التطور هو نتاج تحديات كبيرة أقدمت عليها من الصفر. فقد كانت حياتي في كف فراغ قاتل وأنا في سن الخامسة عشر، في بلد جئته متزوجة، وقبولي بالزواج جاء بناء على كون زوجي مهاجرا فيه. كانت الهجرة حلمي إن لم أقل هي هاجس عقلي الباطني. ولم يكن بوسع ابنة إمام بسيط وربة بيت مسؤولة على ثمانية من إخواني أن تحقق أحلام عقلها الباطني إلا بفرصة عمر أو حظ غير عاثر. والزواج هو فرصة العمر بالنسبة لطموح كان مقيدا بكثير من اللاءات، والموانع الثقافية والاجتماعية بالضرورة فضلا عن حاجز مادي. أذكر أنه عندما اتصلت بي والدتي وأنا في بيت خالي بالبادية، وأخبرتني بأن هناك من تقدم لخطبتي، سألتها عن أين يعيش، قالت في الخارج، عجلت بالرد أنا قادمة. حماس لم يكن لدي عندما تقدم لي خاطبين قبله. الزواج لم يكن طموحي و أنا الطفلة المتمردة التي سمعت أمي، يوما، تقول عنها: هذه البنت شقية، أي ذنب اقترفته في ذلك؟ بل إني اعتبرت الزواج مطية تحررني وتصلني بالحلم الأوربي فقط، لكن النية فيه حاضرة، خصوصا بعدما عرفت أن الخاطب هو الشاب الجميل الذي كنت أشتري من حانوته بنفس حيينا. وقد كنت أقول حينها: عيناه جميلتان لكنه مسكين جبلي” أي من منطقة جبالة وهم بدو”. في أمستردام الهولندية، حيث إقامتنا، بقيت سنتين في قلب دائرة مفرغة ومليئة بالوحدة. زوجي يخرج من السادسة صباحا ولا يعود إلا في ساعة متأخرة من الليل. حياة بدون جاذبية في بيت صغير لا يضيف شيئا لشخصية مصابة بكثير من صور للاإنصاف للإناث في بلدي. طلبت من زوجي الخروج للاشتغال بدعوى أني قد أجن إن استمريت بنفس إيقاع امرأة مشلولة. لم يكن يرضيني هذا الوضع خصوصا أن الأسرة بدأت تكبر بمجيئ ابني. رفض زوجي الذي كان مايزال يحمل أثر التربية المحافظة التي لا تقبل بأن تخرج الزوجة للعمل بوجود زوج يتقاتل مع الزمان. لكني أصريت على موقفي بأدب. فكانت الخطوة الاولى الاشتغال عاملة نظافة في نفس شركة زوجي بعدما توسط لي لدى مشغله. كنت فرحة لأن أعمال التنظيف هي المهمة الوحيدة التي كانت والدتي تكلفني بها حتى انها اختلطت بدمي. بدأ الإطراء من مسؤولي المباشر يصلني بثناء على جودة خدمتي. بعدها تم تكليفي بتسيير فريق عمل من عاملات النظافة عددهن ثمانية، كن يسبقنني في الخدمة، ويسبقنني في اللغة، لذلك لم يتقبلن أن أكون رئيسة عليهم. التمرد بدأ بعدم الاستجابة لبرنامج العمل الذي أقدمه لهن، أكثر من ذلك كنت أتلقى استهزاءات منهن عن عدم كفائتي في اللغة الهولندية مقارنة معهن. عثرة لم أستكن لها، بل واجهتها بأسلوب فرض الاحترام والاتزام بتوجيهاتي. من هنا بدأت رحلة الانطلاق في بناء قوة لا يمكن أن أقول أنها كانت ناعمة مائة بالمائة، بل إن بعض المواقف كانت تتطلب صرامة وتجاوز كل الموانع التي تفرض بحكم أني امرأة. هذا جزء بسيط من مقاومة يحظر فيها المحيط القريب كواحد من الجبهات التي كان يلزم تطويعه لطموحاتي.
الدراسة كانت بوابة الاندماج في المجتمع وفي سوق الشغل، كيف كان القرار؟
دراسة الهولندية ليلا، كانت التحدي الأول بالنسبة لامرأة رفض زوجها فكرة الدراسة في هذا التوقيت. يصعب على بدوي تقبل وجود زوجته خارج البيت ليلا من أجل أن ترضي طموحها في التعلم وهي أم. لكني كنت أومن بأن الوقت يمكن أن نطوعه لنجعله يستوعب مختلف الالتزامات ونتجاوز التقصير في إحداها. بطبعي لا أحب الظلم، طبع لم أكتسبه هنا، إنما جئت به من بلدي، وأذكر أني كلما سمعت أحد زملائنا في الدراسة اعتدى على زميل أو تلميذ من صف آخر، نشكل مجموعة ونحاكمه حتى يستقيم. لذلك، من الظلم أن أظلم عطشي للتعلم في بلد يتيح هذه الإمكانية بكل الطرق. هذا نوع من الإنصاف لنفسي في بلد لا يعترف بقهر الرغبات. هكذا كنت أقنع نفسي وأنا أصر على دراسة اللغة الهولندية، وأنا أحلم بأن لا أظل على الهامش، وأنا أطمح في أن يصير لنا بيتا أكبر من الذي استأجرناه في أمستردام، وأنا أستحضر شكل حذاء سيدة كانت تجلس في مكتبها حين كنت أنظف، علق الحذاء في ذاكرتي أنظف مكتبهت من الأسفل عالقا بخيالي كحلم بعيد وصعب تحقيقه، وأنا أجد في داخلي كل إمكانات للخروج من جلباب المرأة البسيطة، تلك، التي سبق أن أزعجت شريكها بدخول محل للملابس النسائية وهي في طريقها لأداء واجب كراء مسكن يأوي الأسرة، وبدل أن تؤدي الواجب للمكري، كما أوصاها زوجها، اشترت بالسومة ماراقها من أزياء وعادت إلى البيت بعد أن أرضت نفسها. كل شيئ تحتفظ به الذاكرة في منطقة الرغبات يستطيع أن ينفلت ويتحقق بوجود منفذ. وأنا لا أستطيع أن أقاوم سمو نفسي مع الصورة التي أرغب في أن أكون فيها. لم أكن أجد في طاقتي الداخلية ولا في طموحي ضعفا عن كل الكفاءات التي جمعتني بهم الحياة في أمستردام. عاملة نظافة لم تكن تزعجني، بل كانت تشحن رغباتي للارتقاء المهني كلما وضعت منشفة فوق أرضية أو زجاجا أو حائطا أو مكتبا لأنظفهم. حتى أني كنت أشعر مع كل مجهود في التنظيف أني أنزع عني قشرة الضعف والمحدودية وأتخلص من نمط الحياة التي تجترها النساء فقط لأن التقاليد رسمت لهن الحدود.
كتبت كتابك : رحمة: الطريق إلى حريتي بالهولندية وتمت ترجمته إلى العربية مؤخرا، فيه الكثير من المواقف مع زوجك لإقناعه بقرارات هي أقل ما يقال عنها حق؟
تماما، كان هو جبهة من الجبهات التي كنت مجبرة على وضعها في حسابات “الصراع” من أجل أن أشتغل وأدرس ثم من أجل تأسيس شركتي. هو صراع ليس مع خصم، ولكن مع شريك يحمل رواسب ثقافة ظل راجل ولا ظل حيطة، ورجل “بجيبو وحتى شي ما يعيبو” (أي الرجل هو بما في جيبه ولا شيئ يعيبه). كل مواقف الممانعة التي واجهني بها جاءت في الكتاب لا للتنقيص منه، بل لإظهار أن كل اختلاف في موقف ما لم يكن خلافا، لذلك، لم تفسد نقاشاتنا لحمة العلاقة التي، كلما وقفت عند مأزق يحضر العقل والتعقل اللذين لا يسقطا من حسابات برامجي وخططي أن أصير سيدة أعمال في مجال هو نتاج تربية، وتدريب، وتكوين. ولأن السؤال هو عن شريك في حياة بدأناها من الصفر أو حتى أقل من الصفر، أحب أن أقرب القارئ من جزء بسيط جدا من مواقف شد الحبل بيني وبين زوجي بشير، وهي مواقف لم تكن نتاج سلوك عدواني أو تنقيص من قدري، بل هو تحكم من الصورة التقليدية التي تسيطر على عقليته عن زوجة كان الزواج سببا في التحاقها بأوروبا، وتقاليدنا لا تسمح له بأن يتركها تتجاوز الحدود المرسوم لها ثقافيا. أذكر أن الحوار بيننا كان هكذا وهو ما تضمنه كتابي: سأتركك وآخذ معي الأطفال: سيذهبون معي إلى عالم عصري ، ولن أبدأ أية علاقة زوجية جديدة. سأتركك ليس لأنك تعنفني أو أنك تكرهني، سأتركك لأنني أشعر بنفسي سجينة. قال وهو متأثر: ” لن يحدث ذلك يا رحمة ..لن أهتم بكل هؤلاء الناس الذين يرفضون أسلوبنا في الحياة ، اخترتك زوجة دون غيرك، هيا انطلقي ولا تكترث لأحد”.
هيا انطلقي كانت العصا السحرية التي أشكره عليها. من هذا الموقف أيقنت أن لي زوجا رائعا، وقد كتبت أنه منارة في حياتي وبإمكاني الاعتماد عليه في وقت الشدة، بشير هو الزوج اللطيف الذي كان دائما، وما زال يضمن استقرار أسرتنا حينما تتعرض للاضطراب”.
بعد محطات كثيرة من العمل في قطاع النظافة الذي واصلته بتدريبات وتكوينات على غير العشوائية الذي تطال هذه الخدمة في الكثير من البلدان العربية جاءت مقاولتك ماس حديثينا عن هذه المرحلة؟ MAS
ثمان سنوات كانت هي المدة التي قضيتها في خدمة التنظيف بينها تقلدي مهام التسيير والادارة. خلال هذه المدة لم يرقني أن المناصب العليا في المسؤولية تقدم للرجال كما لو كانت مفصلة على مقاس جنسهم دون غيرهم. أقول هذا وانا فس موقع مساعدة المدير التي تحلم بأن تصير مديرة . رصيدي من الكفاءة كانت تأهلني لكي أكون رئيسة لا مرؤوسة، خصوصا أن أدائي كان أفضل من أداء من يرأس الفريق. الترقية تستثنى منها النساء، هكذا أيقنت وأنا أقف على ما لا يعتبر مفاجئا حين اضطرت الشركة التي، كنت اعمل فيها الى إعادة هيكلتها من أجل تدارك وضعية مالية وإدارية حرجة. لا ترقية كانت هي الحقيقة التي علمت فيما بعد أن سببها كان السيد مارسمان الذي لا يقدم ما يفيد جودة أدائي مهنيا. استقلت احتجاجا على عدم تقدير من يستحق التقدير. في هذا الوقت، لم يكن ببالي ما سأفعله، لكن اعرف أني خرجت من قاعة اجتماعات الشركة بكعب عال مسندة على جبل التحديات الذي يشكل شخصيتي. أتذكر بعد مدة من هذا الموقف أني ذهبت الى السيدة سلافيك، رئيسة مدرسة إلس سلافيك والتي كانت علاقتي بها في قمة التقدير والاحترام. أخبرتها بالمستجد الذي اعتبرت أنه أعاد لي كرامتي. خلال حديثنا، واجهتني بالحل : “عليك تأسيس مقاولة خاصة بك.” وجدت في اقتراحها ضالتي التي اخرجتها من عتمة ارتباك شبيه بأن يلقي بك احدهم في اليم وهو عارف انك تجيد العوم. اتصلت سلافيك بزبناء لتأخذ منهم وعدا بالتعامل مع شركتي التي لم تكن قد ولدت بعد. فرحت لأني ضمنت ثلاث زبناء كانوا يتعاملون مع الشركة التي كنت اشتغل فيها. الإقناع لحظة انفراج وأمل كبير في المستقبل. هكذا نظرت للخطوة التي اعتبرها إبني وزوجي مخاطرة. حتى المخاطرة بالنسبة لامرأة تعتبرها والدتها مجنونة تعني لي الكثير، وأتعمد ركوبها مسلحة بما لدي من شجاعة ومؤهلات. هنا أقف لأقول بأني أسست مقاولتي بيقين في النجاح وإن كنت أعرف أن الفشل وارد أيضا، ما يحفزني هو أني لم أختر مجالا أجهله، اخترت التنظيف الذي لا أعرف غيره. انطلقت الشركة بسبع موظيفين مباشرة بعد استجابة الغرفة التجارية لطلبي، وبعد سلسلة من المقابلات لمعرفة تفاصيل عن مشروع اختار حروفا لاسمه، وهي ترمز إلى تعدد الثقافات. الانطلاقة كانت جيدة بعقود من مؤسسات مهمة طلبت خدمتنا لها. الأمر لم يكن مغامرة بالنسبة لهم، بل يعرفون سيرتي المهنية في الشركات التي اشتغلت فيها منظفة أو مسيرة. كل شيء كان يسير بيسر جعلني أحتفظ بالتفاصيل في ذاكرتي كما لو كنت أتهيأ لكتابة حياتي. الجميل في هذا المسار أن مقر “ماس” كان هو غرفة النوم في بيتنا الذي لا يتسع لمزيد من الضيق. غرفة التي التي تتحول إلى مكتب تدخله الكاتبة لمباشرة أعمال الشركة نهارا يعود إلى دوره كحاضن لزوجين لم يعودا يفترقان حتى في الشغل. فقد التحق، بشير، بشركتي بإصرار مني مع أن وضعه في شغله كان مريحا، إذ لم يكن طبيعيا أن تكون لدي شركة وهو يشتغل لدى شركة أخرى في نفس القطاع. واجهته بالأمر برجاء أن يمد يد المساعدة لشركة صغيرة، تواجه منافسين كبار يعتبرون مرجعا في خدمات التنظيف. استجابته جعلت كثلتنا تتكثل من أجل أجمل هدف ونحن في أمستردام الهولاندية وهو أن نكون أسياد أنفسنا في الشغل.
كل إنجاز يكون له صدى، والصدى قد يتبعه تتويج أو ما شابه. ماذا عن هذا المسار الذي لم يتوقف عند شركة ومبادرة واحدة؟
ربما حصول شركتي على تعاقدات مع مؤسسات كبرى من بينها المتحف الهولاندي، جعل اسمها منافسا حقيقيا بالنظر إلى خدمات الجودة التي، أصر عليها وأجعلها مرادفا لاسم رحمة، أكيد أن خروجي من عباءة مستخدمة بسيطة إلى مقاولة من أصول أجنبية، أعطى للمسار إبهارا، وتبله ببهارات استثنائية. وفي قلب هذا الصعود كانت شخصيتي هي محور الضوء إعلاميا حين تم اختياري لجائزة المرأة السوداء المقاولة، والسوداء هنا هي إشارة للأجنبية ولا خلفية عنصرية فيها بسبب اللون. المثير في هذا الحدث هو الجهة المنظمة، لم تكن هولاندا، بل ابريطانيا التي توجتني في واحدة من مسارحها الكبرى، صدى التتويج تولته الصحافة التي بدأت تتقاطر على سيرة امرأة قدمت من الشمال المغربي في إطار إجراء يسمى بالتجمع العائلي، دخلت الحياة الزوجية والأمومة وعانت ضيق السكن، وحتى الملل كون مهمتها في الحياة العامة كانت لا شيء في البداية. لكنها، اليوم، تقف أمام اعتراف أوربي بنجاحها. بعد هذا التتويج تلقيت دعوة لحضور مراسيم الاحتفالات بعيد العرش المجيد لملك المغرب، فرصة كانت فاتحة خير حين تم استدعائي لتوشيح بوسام ملكي من درجة فارس. ثقلت موازيني في الدعوات والاعترافات مثلما ثقلت كفاءة مقاولة خرجت من غرفة النوم وصار لها مكاتب وفروع وعمال ومشاريع كبرى، كما خرجت منها شركات أخرى أوصلتني إلى ما يمكن اعتباره فرصة العمر، فقد جلست بالقرب من ملكة هولاندا بياتريكس بعد اتصال هاتفي لاعلامي بكوني من المرشحين للقاء معها. تحدثت مع الشخصية الكبيرة في هذا البلد الذي يشهد أني بدأت خطواتي في سوق شغله بمسح الأرضيات، والنوافذ والتطلع إلى أحذية ذات الكعب العالي وأنا أنظف أسفل مكاتب الموظفات الهولنديات. التراكم يأتي من الإصرار، والإصرار هو لصيق بي منذ كنت طفلة ولازال، لذلك أعتبر الوقت عدوا لي وأنا أتصارع منعه لكي لا يحول يومي إلى بياض.الإنجاز المتعدد، والاشتغال على أكثر من واجهة في نفس الوقت هو ما يهزم هذا الوقت.
سأعود بك من حيث كان لزاما أن نبدأ، متى شعرت بأنك تصلحين لريادة الأعمال؟
سؤال جميل وفيه نوع من النوستالجيا المغرية. فعندما كنت في الصف الابتدائي بالمغرب، كنت مجتهدة ومميزة في اللغة الفرنسية. مؤهلي اللغوي جعل بعض من زملائي وعائلتهم يطلبون مني مساعدتهم على تعلم الفرنسية. كان هذا الطلب بالنسبة لي فرصة لم يمهلها ذكائي التقدم والمبكر لاشتراط المقابل. لم أحدد نوعية المقابل لكن الأكيد هو أن المادي هو المأمل لطفلة تكبر الأحلام داخلها. في هذا الوقت كان عمري لا يتجاوز العشر سنوات وأدرس بمدرسة القادري، الجميل في هذه التجربة هو أنني تقاضيت عن خدمة تعليم الأطفال الفرنسية هدايا نقدية وعينية، من درهم واحد إلى تفاحة إلى باقة ورد من البلاستيك. نباهتي كانت تسبقني عندما حصلت على ورد ثمن مساعدتي لزملائي، فقد خفت أن تحسب والدتي الأمر هدية من عشيق، تقدير سوء فهمها المحتمل عجل بإجاد حل بيعه وتحصيل ثمنه نقدا. الأموال لم تكن تعني لي شيئا دون ترويجها، لذلك اشتريت بثمن بيع البوكيه حلويات أعدت بيعها في مقدمة حينا. تلك كانت الجينات الأولى لميولاتي التجارية، وأنا لم أتجاهلها حين صار بالإمكان تطوير مساري.
نختم معك بتقديمك لرحمة المودن كما لو كنت تقدمين شخصا حضي بإعجابك؟
هي سيدة ولدت بملعقة من الرغبات في التخلص من كل ما يعيق انطلاقها في النجاح. لم تؤمن بما تيسر من الحض. لم ترض بأن تتفرج على عاملة النظافة التي لا ترتقي مهنيا في شركات تقدم الرجال وتستثني النساء من المسؤولية. تعلمت كيف تستثمر مؤهلاتها البسيطة التي تدخل في مهام الأنثى ثقافيا لتحولها إلى مشروع يهتم بالنظافة والجمال. هي مهووسة بأن تنظف العالم بمكنسة ومنشفة وتحول الهوس إلى ثقافة. امتطت التحديات التي يستحيل أن تواجه بدون عزيمة وحتى مغامرة. وحين أسست شركتها الأم “ماس”، كانت تضع في البال شعارا كبيرا: الزبون ملك والعمال قياصرة. امرأة تجلس لتتأمل كيف انتزعت من عمالقة الشركات بأمستردام صفقة متحف رايكس لأنها لا تتقدم للصفقة وهي خاوية من الإضافات. وحين انتهت المهمة قالت: إذا تمكنت من أن تنظف متحف رايكس بأمستردام، سيكون بمقدورك أن تنظف العالم كله. اعتبرها الأم تيريزا، وأرى في حياتها شيئا يحدث في الخيالات، لكنها الحقيقة والواقع الذي نتأكد أنه كذلك كلما حركت موقع غوغل ل تعرف من يسيطر على قطاع النظافة في أمستردام الهولندية لتجد ماكس، ورحمة المودن. هذه هي أنا.