الصحة المستدامة

تُقلّل نسبة الكالسيوم في الدم.. المياه الغازية.. وحش العظام “الكاسر”!

كشفت دراسة أُجريت مؤخرا في جامعة “هارفارد” الأمريكية، أن تناول المشروبات الغازية يمكن أن يزيد من خطر كسور عظام الفتيات المراهقات في العقد الثاني من العمر.

وأجريت الدراسة على 460 فتاة تم سؤالهن عن طبيعة غذائهن، ونوعيته، وما إذا كن قد أصبن من قبل بكسر في العظام، وأوضحت النتائج أن 80 % منهن يشربن مرطبات محتوية على كربونات، و11.5 % لا يشربن الكولا، وتبين أن الفتيات اللاتي يشربن المياه الغازية كن أكثر عرضة للإصابة بكسور في العظام بنحو ثلاث مرات من اللاتي لا يشربنها على الإطلاق. وأرجع الباحثون السبب إلى تكون الأحماض الفوسفورية في الكولا، حيث أشارت الدراسة إلى أن بعضا ممن تعرضن لمواد فوسفورية عانين من كسور العظام.

وفي هذا الصدد حذرت دراسة سعودية حديثة من زيادة استهلاك سكان المملكة للمياه الغازية مقابل الحليب، وأظهرت نتائج الدراسة التي أجريت على عينة من النساء السعوديات بلغ عددهن 321 امرأة تراوحت أعمارهن بين 24 – 46 عاما، أن نسبة نقص كثافة العظام لديهن تتراوح بين 18 – 41%، وهي نفسها النسبة المسجلة لدى النساء الأمريكيات، كما لوحظ نقص فيتامين (د) عند 2% من النساء السعوديات، وانخفاض متوسط استهلاك الفرد سنويا من الحليب السائل في المملكة بنسبة 20%.

ووفق الإحصائيات فإن نسبة استهلاك المشروبات الغازية في زيادة مستمرة، حيث أعلنت الحكومة أن المملكة تستورد أكثر من 500 ألف طن من المشروبات الغازية سنويا، إضافة إلى 107 مليارات عبوة سنويا تنتجها 8 مصانع محلية، الأمر الذي يعرض الجيل السعودي القادم بأكمله إلى ترقق وهشاشة العظام.

عواقب نقص الكالسيوم

ينصح الخبراء بضرورة الابتعاد عن المشروبات الغازية واستبدالها بالفواكه الطبيعية وعصائرها الطازجة للحفاظ على الصحة العامة، ويؤكد الدكتور مسلم الهواري –  اختصاصي طب الأسنان – أن تناول جميع الأغذية والمشروبات بما في ذلك السكر يحتاج إلى عدة مراحل كي يتحول إلى عنصر الحمض المُضر للأسنان، بينما توفره المشروبات الغازية بصفته المضرة دون الحاجة لتلك المراحل التي قد تستغرق عدة ساعات.

وأوضحت الدكتورة منيرة عبد المحسن العلي – أخصائية التغذية في قسم التغذية العلاجية “بمؤسسة حمد الطبية” – أن خطر تناول المشروبات الغازية يتمثل في انخفاض قيمتها الغذائية، لعدم احتوائها على البروتينات أو الدهون أو الفيتامينات والمعادن، وأشارت د.العلي إلى أن تناول هذه المشروبات مع الغذاء يؤثر سلبا على امتصاص الكالسيوم من الأمعاء، وذلك بسبب وجود حامضي الفوسفوريك والستريك اللذين يتحدان مع الكالسيوم الموجود في الغذاء، ما يسبب نقصا في كمية الكالسيوم التي تصل إلى الدم وبالتالي إلى العظام، ومن المعروف أهمية الكالسيوم في بناء العظام ونموها وخاصة في سن الطفولة والمراهقة، أو فيما بعد سن الأربعين عندما تبدأ مشكلات هشاشة العظام.

وتشير العديد من الدراسات إلى أن المشروبات الغازية مدمرة للصحة، لاحتوائها على السكر الأبيض والمُحليات الصناعية الكيميائية والمواد الحافظة وثاني أكسيد الكربون، حيث تساعد هذه المواد على ازدياد فقدان الكالسيوم وبالتالي على هشاشة أو لين العظام، كما أن هذه المشروبات تحتوي على نسبة عالية من الفوسفور، فتؤثر سلبا على التوازن المطلوب بين الفسفور وبين الكالسيوم وتعوق امتصاصه وتزيد من طرحه في البول.

يُشار إلى أن المشروبات الغازية هي عبارة عن ماء محلى يحتوي على مواد كربونية ونكهات خاصة، وتتم اضافة السكريات الطبيعية مثل السكروز أو السكريات الصناعية مثل “الاسبارتام” حيث تفوق تلك المادة 200 مرة المادة الطبيعية في إضفاء المذاق السكري للمشروبات الغازية.

نمط “الحياة المستوردة”

من المعروف أن الغذاء يلعب دورا مهما في فترة النمو لبلوغ كثافة العظام مستواها الأقصى بعد سن المراهقة، ويؤدي سوء التغذية في مرحلة الطفولة إلى نقص العناصر الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم، وبالتالي زيادة معدل الإصابة بالكسور في المراحل المتقدمة من العمر.

ويرتبط مرض هشاشة العظام بعوامل كثيرة، من أهمها نقص الكالسيوم الناتج عن عدم تناول كميات كافية من الحليب ومشتقاته، والتدخين الذي يمكنه أن يؤثر بشكل مباشر على إعادة ترتيب العظم، والإفراط في تناول الشاي والقهوة، وازدياد تناول البروتينات (اللحوم) والفوسفور، والوقوف أو الجلوس لفترة طويلة، وعدم التعرض للشمس، وعدم ممارسة الرياضة وانعدام الحركة لفترة طويلة.

وفي هذا السياق يؤكد الدكتور ضياء الحاج حسين – اختصاصي في “الأكاديمية الأمريكية للتغذية” – أن الاعتماد على تناول المشروبات الغازية مع الغذاء، يؤثر سلبا على امتصاص الكالسيوم من الأمعاء عندما يبلغون سن الشيخوخة.

ويتوقع الدكتور ضياء الحاج حسين زيادة نسبة الإصابة بهشاشة العظام في المجتمعات العربية، نتيجة التغير المفاجئ الذي طرأ على نمط الحياة، والتغير الملحوظ في نوعية الغذاء والتي أصبحت إلى حد كبير مشابهة لما هي عليه في الدول الغربية، من انتشار للمأكولات السريعة والمشروبات الغازية والحلويات.

وأشار الدكتور ضياء إلى بعض الدراسات التي أجريت في الجامعات الأمريكية، وتوصلت إلى أن تناول القهوة باستمرار يعتبر من العوامل التي تساعد على حدوث هشاشة العظام بسبب النقص المستمر في كثافة العظام، الذي يساعد على زيادة تحرير الكالسيوم من العظم، كما يساعد على فقدان القشر العظمي من عظمة الفخذ خاصة عند النساء اللاتي يأخذن من الكالسيوم أقل من 800 ملجم في اليوم، كما لوحظ ازدياد خطر كسور عظام عنق الفخذ في المصابين بالهشاشة، وخاصة عند النساء متوسطات العمر.

“انحلال العظام”

من جهة أخرى، يرى الأطباء أن تناول أغذية غنية بالبروتين يؤدي إلى زيادة الوارد الحمضي، والذي يساهم – بدوره- في انحلال العظم في محاولة للتخفيف من الحمض الزائد، حيث لا يستطيع الجسم تحمل التغيرات في مستوى الحامض في الدم فيستنفد الكالسيوم من العظام، وكلما كثر تناول البروتين في الطعام، ازدادت الحاجة إلى الكالسيوم.

ووفق دراسة نشرتها “مجلة التغذية الأمريكية” مؤخرا فإن تناول 95 غراما من البروتين يوميا يؤدي إلى فقدان 58 ملغم كالسيوم، وهذا يعني خسارة 20% من نسبة الكالسيوم في الجسم خلال 10 سنوات.

وكشفت دراسة أخرى أن تناول 50 غراما من البروتين يؤدي إلى طرح 60 ملغم كالسيوم عن طريق البول، كما وجد العلماء أن تناول غرام واحد من الملح يؤدي إلى فقدان 20-40 ملغم كالسيوم، ولذلك فإن الشخص الذي يطبق برنامجا غذائيا محتويا على كمية قليلة من الملح والبروتين يحتاج إلى نصف غرام كالسيوم في اليوم، بينما يحتاج الشخص الذي يتناول كمية عالية منهما إلى غرامين من الكالسيوم في اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى