الدمج والإعاقة

بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية.. تعرف على أقدم مستشفى لعلاج الأمراض النفسية عرفه العالم

ما هو أقدم مستشفى لعلاج الأمراض النفسية عرفه العالم؟ إذا توجهت بهذا السؤال إلى محرك البحث العملاق جوجل أو موقع خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا فستأتيك الإجابة.. بأنه مستشفى بيثلم الملكي خارج العاصمة البريطانية لندن.

لكن تقول دائرة المعارف البريطانية إنه تم إنشاء أقدم مستشفيات الأمراض العقلية في العالم العربي، في بغداد والقاهرة ودمشق.

وكان المرضى النفسيون والعقليون في العالم العربي يتلقون العلاج في البيمارستانات، وكان أول بيمارستان قام في العالم الإسلامي في مدينة دمشق، بأمر من الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 707 ميلادية.

وفي بلاد الشام أيضا كان هناك البيمارستان النوري الكبير في دمشق، الذي أقامه الملك العادل نور الدين بن محمود زنكي نحو عام 1154.

وفي العراق كان هناك بيمارستان الرشيد، وبيمارستان المقتدري، وبيمارستان الموصل، إلا أن أشهرها كان البيمارستان العضدي، الذي أنشأه عضد الدولة بن بويه عام 978 في بغداد.

 البيمارستان العتيق

وفي مصر كان هناك البيمارستان العتيق الذي أنشأه أحمد بن طولون سنة 872 ميلادية في الفسطاط، والبيمارستان المنصوري ويسمى أيضا بيمارستان قلاوون، والذي أمر ببنائه الملك المنصور قلاوون الصالحي.

ومن أبرز الأسماء التي كانت قد برزت في هذا المجال أبو بكر محمد الرازي، أكبر أطباء العرب والمسلمين في العصور الوسطى، والذي قدم وصفا تفصيليا للمرض النفسي، وأبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا أول الفلاسفة القدماء الذين ربطوا وظائف الإحساسات والخيال والذاكرة بشروطها الفسيولوجية، وكذلك جبرائيل بن بختشيوع وأوحد الزمان وغيرهم.

مستشفى بيثلم الملكي

ولكن يظل مستشفى بيثلم الملكي بالقرب من العاصمة البريطانية لندن هو أقدم مستشفى مازال يعمل في هذا المجال حتى اليوم، بحسب موقع خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا NHS ومحرك البحث العملاق غوغل.

فما هي قصة هذا المستشفى؟

عندما أعيد بناؤه في عام 1676، كان مستشفى بيثلم بلندن هو أكثر مصحات الأمراض العقلية فخامة في العالم من الخارج أما في الداخل فكان الأمر مختلفا تماما.

كان المستشفى معلما شهيرا في لندن، وكان السياح يزورونه جنبا إلى جنب مع كنيسة وستمنستر وحديقة الحيوانات.

وكان ذلك المستشفى مصدر إلهام لعدد لا يحصى من القصائد والمسرحيات والأعمال الفنية. وبدا المبنى الذي كان يضمه منذ عام 1676 فخما للغاية بحيث لم يُقارن بأي شيء آخر غير قصر فرساي.

كان هذا هو مستشفى بيثلم، المعروف أكثر باسمه المستعار (بيدلام).

ومنذ البداية تقريبا، كان بيثلم أكثر بكثير من مجرد مصحة للأمراض العقلية.

ويقول مايك جاي مؤلف كتاب “في هذا الطريق يقع الجنون”: “لقد كان بيثلم معلما بارزا في مدينة لندن، وأحد أوائل المستشفيات المتخصصة في الأمراض العقلية في العالم”.

وأضاف قائلا:”لقد أصبح هذا المستشفى الموطن الأصلي للجنون”.

طائفة دينية

ومثل العديد من المستشفيات القديمة، بدأ مستشفى بيثلم مع طائفة دينية حيث تأسس في عام 1247 كدير مكرس للقديسة مريم في بيت لحم.

وبحلول عام 1400، أصبح مستشفى من العصور الوسطى، ولم يكن ذلك يعني رعاية طبية بقدر ما يعني توفير “ملجأ للغرباء المحتاجين” أي أولئك الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه فيتجهون إلى أبواب الدير.

وبمرور الوقت، بدأ مستشفى بثلم يتخصص في رعاية أولئك الذين لم يكونوا فقراء فحسب، ولكنهم أيضا غير قادرين على رعاية أنفسهم، وخاصة أولئك الذين يعتبرون “مجانين”.

وبحلول القرن السابع عشر، كان هذا المستشفى معروفا بما يكفي للظهور في العديد من الأعمال الدرامية والقصائد اليعقوبية.

وفي كثير من الأحيان، كما هو الحال في مسرحيتي شكسبير هاملت وماكبث، تم استخدامه كوسيلة لاستكشاف السؤال الشائع حول من هو المجنون، ومن هو العاقل ومن لديه القدرة على اتخاذ القرار.

ويُظهر الجزء الأخير من كوميديا “البغي النزيهة” لتوماس ديكر وتوماس ميدلتون عام 1604 تلك الشعرة بين “العقل” و “الجنون” والخوف من مدى سهولة الانزلاق من أحدهما إلى الآخر.

وفي هذه الكوميديا، يقول عامل النظافة في المستشفى بمرح: “أنا أكنس غرف المجانين، وأحضر لهم القش، وأشتري سلاسل لربطهم، وقضبان لجلدهم. لقد كنت مجنونا هنا مرة واحدة ، لكنني أشكر الأب أنسيلم لقد ضربني فأعادني إلى رشدي مرة أخرى”.

وبعد إعادة بناء المستشفى، أصبح من الأسهل حتى التهكم على الانزلاق بين العقل والجنون بفضل هندسته المعمارية الفخمة.

أشبه بالقصر

عندما شيدت النسخة الثانية من المستشفى عام 1676، لم يكن مثل أي مستشفى شُيد من قبل.

لقد صممه روبرت هوك، مساح المدينة والفيلسوف الطبيعي ومساعد المهندس المعماري وعالم الرياضيات الشهير السير كريستوفر رين.

بلغ طول واجهة المستشفى 165 مترا مع أعمدة كورنثية وبرج يعلوه قبة، وكانت تلك الواجهة مستوحاة من قصر التويلري في باريس في عهد لويس الرابع عشر.

وقد أطل المستشفى على حدائق رسمية ومتنزهات تصطف على جانبيها الأشجار.

لقد كان الانطباع العام أن ذلك المستشفى أشبه بقصر الملك الفرنسي الفخم في فرساي عنه بمستشفى للأمراض العقلية.

وعلى حد تعبير أحد الكتاب”كان المبنى الوحيد الذي يشبه قصرا في لندن لسنوات عديدة”.

وقال جاي:”كان ذلك جزءا من محاولة إعادة إنشاء لندن كشيء عظيم وحديث، بدلا من المباني الخشبية القديمة التي تعود إلى العصور الوسطى، والتي كان هذا الجزء من لندن يتألف منها قبل الحريق، كما كان إحساسا بالفخر وعمل الخير، فهذا المستشفى سيجعل لندن مكانا أعظم وأفضل للجميع، وغالبا ما كان يطلق عليه قصر المجانين”.

وكان المستشفى الجديد، بالمعنى الحرفي للكلمة، يضع وجها جميلا لما اعتبره العديد من سكان لندن مشكلة فوضويّة بغيضة.

“الأكثر جنونا”

وكتب الكاتب الساخر توماس براون في عام 1699 يقول إن التصميم يجعلك تتساءل “من الأكثر جنونا؟ هل هم الأشخاص الذين أمروا ببناء هذا المستشفى أم أولئك الذين يسكنونه”.

وفي عام 1681، لاحظ حكام المدينة “العدد الكبير من الأشخاص الذين يأتون يوميا لرؤية المرضى”.

وذكر جوناثان أندروز وآخرون ذلك في كتاب تاريخ بيثلم، فلا جدال في أن المستشفى كان نقطة جذب شهيرة.

كما شجع المستشفى نفسه ذلك، حيث استفاد من تبرعات الزوار وكذلك من أي تبرعات خيرية لاحقة.

ومع ازدياد شهرة المستشفى تحول أيضا إلى أسلوب حياة، فبحلول القرن السابع عشر، كان يُطلق على المرضى من ذوي الحالات الصعبة اسم “مجانين بيثلم”.

وكان المتسولون يتظاهرون بالجنون، وذلك لتجنب إرسالهم إلى ورشة عمل أو إلى السجن، حيث نص قانون إغاثة الفقراء لعام 1601 أن الفقراء الذين لا يعملون يذهبون إلى ورش العمل أو حتى السجن.

ومن هنا لم يعد مستشفى بيثلم رمزا للـ “جنون” فقط بل للفوضى أيضا، بل وبات رمزا للندن نفسها.

في عام 1815 تم هدم مستشفى بيثلم الفخم ليختفي المبنى “الوحيد” الذي يشبه القصر في لندن، ويعمل هذا المستشفى اليوم في منشأة حديثة مع متحف مفتوح للجمهور.

المصدر: بي بي سي

زر الذهاب إلى الأعلى