تعرف على “العظماء التسعة” الذين حولّوا الإعاقة إلى نعمة
رغم إصابتهم بعجز أو إعاقة جسدية، فلم يمنعهم ذلك من تحويل حياتهم من حياة عادية إلى قصة نجاح غير عادية، بفعل إرادة صلبة وإصرار على تحقيق الأحلام والوصول إلى الأهداف. إنهم “العظماء التسعة” الذين حولّوا الإعاقة من نقمة، كما يظن بعض الناس، إلى نعمة!
أبو العلاء المعري.. رهين المحبسين
هو شاعر وفيلسوف وأديب عربي من العصر العباسي، ولد وتوفي في بلدة معرة النعمان في الشمال السوري، وإليها يُنسب. لُقب بـ “رهين المحبسين”، أي محبس العمى ومحبس العزلة، لأنه اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته.
فقد بصره في الرابعة من العمر نتيجة لمرض الجدري، بدأ يقرض الشّعرَ في سن مبكرة حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره في بلدته معرة النعمان، ثم ذهب للدراسة في حلب، درس علوم اللغة والأدب والحديث والتفسير والفقه والشعر، لا شك أن المعري أثرى الأدب العربي بأشعاره وكتاباته.
بشــار بـــن بــرد.. إمام الشعراء
هو بشار بن برد العُقيلي ولد عام 96هـ، شاعر وإمام الشعراء المولدين، ومن المخضرمين حيث عاصر نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية. ولد أعمى، وكان من فحول الشعراء وسابقيهم المجودين. كان غزير الشعر، سمح القريحة، كثير الافتنان، قليل التصنع.
ولم يكن في الشعراء المولدين أطبع منه ولا أصوب بديعا. وقال عنه الجاحظ: “وليس في الأرض مولد قروي يعد شعره في المحدث، إلا وبشار أشعر منه”.
عبد الله البردوني.. معري اليمن
يُنسب الشاعر اليمني الأشهر عبد الله البردوني إلى قرية صغيرة تسمى “البردون”، شرق مدينة ذمار، التي ولد فيها العام 1929 دون أي إعاقة، لكن عندما بلغ الخامسة جاء موسم الجدري، وهو “من المواسم الدائمة التي لا تتأخر عن (يمن الأئمة)” كما كتب الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح، في مقدمته لأعمال البردوني الكاملة. سلب هذا الوباء حياة الآلاف، واكتفى من البردوني ببصره، لكن بالتأكيد لم ينجح في أن يسلبه بصيرته التي أنارت عقول كل من أتاح لهم حسن الحظ مصادفة إبداعاته.
طه حسين.. عميد الأدب العربي
ولد عام 1889 بمحافظة المنيا، وفي الرابعة من عمره أصيب بالرمد في عينيه، وفقد بصره، وأدخله أبوه كتاب القرية للشيخ محمد جاد الرب، لتعلم العربية والحساب وتلاوة القرآن الكريم، فحفظه في مدة قصيرة أذهلت أستاذه ووالده، الذي كان يصحبه أحياناً لحضور حلقات الذكر.
انتقل إلى الأزهر للدراسة الدينية، ثم إلى الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليا) عام 1908، ودرس العلوم العصرية والحضارة الإسلامية، ومن ثم أوفدته الجامعة إلى مونبلييه في فرنسا، فدرس الفرنسية وآدابها، وكذلك علم النفس والتاريخ الحديث.
نال طه حسين الدكتوراه الفخرية في كثير من البلاد الأجنبية، منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وأوسمة من لبنان وتونس والمغرب، ومنح قلادة النيل من مصر التي لا تمنح إلاّ لرؤساء الدول، كما منح أيضاً وسام «ليجيون دونير» من فرنسا، ووساما من هيئة الأمم المتحدة، حصل على جائزة حقوق الإنسان، وتلقاها قبل وفاته بيوم واحد.
مصطفى صادق الرافعي.. أمير البيان
مصطفى صادق الرافعي.. كاتب مصري من أصل سوري، ولد في بيت جده لأمه في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية، وأصيب بمرض التيفود الذي أقعده عدة شهور في سريره، وخرج من هذا المرض مصاباً في أذنيه، واستفحل به المرض حتى فقد سمعه نهائياً في الثلاثين من عمره.
لم يحصل الرافعي في تعليم النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية، لكنه كان من أصحاب الإرادة الحازمة، وتعلم على يد والده فكتب الشعر والنثر، مستعيضاً عن نعمة السمع بنعمة النبوغ، وأنتج كتابه “نهج البلاغة” قبل أن يبلغ العشرين.
سلطان العدل «ستيفن هوكينج العرب»
حاز رجل الأعمال السعودي الشهير سلطان العدل على لقب “ستيفن هوكينج العرب”، ومات متأثرا بمرض “التصلب اللويحي”، وهو تصلب ضموري عضلي جانبي. وكان ناجحا جدا في إدارة شركاته التي تضم أكثر من عشرة آلاف موظف، وذلك وهو مريض مرضه الخطير، الذي أدى في النهاية لعدم الحركة والموت بعد ذلك.
أصيب سلطان العدل منذ وقت طويل بمرض التصلب اللويحي، الأمر الذي سلبه الحركة كاملة وفقد القدرة على النطق أيضاً ولكنه كان يحرك فقط عينيه والشفتين، وكان يتنفس من خلال أنبوب، ورغم ذلك فقد حقق نجاحات باهرة في إدارة شركاته وله عدة مؤلفات منها كتاب عن تاريخ أسرته قام الملك سلمان بكتابة مقدمته.
استطاع سلطان العدل أن يحقق آمال الكثيرين من الشباب في العالم كله بتوفير فرص عمل ومثلا أعلى لهم بنجاحاته التي حققها في شركاته، واستطاع ذلك الرجل القوي أن يواجه مرض التصلب الضموري العضلي الجانبي، فلم يعد لديه إلا حاستي السمع والبصر للاعتماد عليهما في حياته الحافلة بالإنجازت.
عمار الشريعي.. عوّام فى بحر النغم
“يا رحلة الضوء الجميل، يا قلب مغرم بالوجود، ما بين مقام العشق ومقام الخلود، يا قلب عمار الشريعي”.. كلمات موجزة كتبها الشاعر المصري جمال بخيت مادحًا عمار الشريعي، الذي استطاع بموهبته وقدراته الموسيقية العظيمة أن يهزم العمى، ويضرب المثل في الكفاح من أجل غايته وهدفه.
في “سمالوط” إحدى مراكز محافظة المنيا، وُلد طفل ضرير، من أسرة متوسطة، عمل فترة كعازف في بعض الملاهي الليلية، قبل أن يتجه إلى التأليف الموسيقي ويصبح أشهر عازفي الشرق الأوسط وأفضلهم، خاصة في مجال الموسيقى التصويرية وتحديدًا موسيقى مسلسل “رأفت الهجان”.
40 عاما شغل فيها بال محبي فنه بالأنغام الشرقية الأصيلة والحديثة، بدأ حياته كعازف أكورديون في إحدى الفرق، وظل يتنقل ما بين الفرق حتى وصل إلى الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرام، وبمرور الوقت أسس فرقة “الأصدقاء”، التي كوَّنها من عدد من المطربين والمطربات الشباب مثل علي عبد الخالق، ومنى عبد الغني، وحنان، وغيرهما.
عمار بوقس.. قاهر المستحيل
ما بين مشهد ولادة معاق ولحظة صراحة طبيب مع أب؛ لأن ابنه قد لا يعيش إلا سنوات، ولحظة تكريمه وتعيينه معيدًا.. ما بين هذا وذاك تقف شهادات صارخة على حقيقة فئة غالية، لم يكن بوقس إلا أحد أفرادها الموهوبين، تسعى ليمنحها المجتمع المكانة التي تستحقها.
اتخذوا من نقطة ضعفهم قوة له، ورفضوا نظرة المجتمع التي تملؤها الشفقة أو الحسرة. واحد من هؤلاء عمار هيثم عبد الله.. الملقب بـ “قاهر المستحيل”، وُلد في الولايات المتحدة، كان مصابًا بالشلل منذ الولادة، ومع ذلك أكمل دراسته الثانوية، حاصلًا على معدل 96 في المائة، وحفظ القرآن الكريم كاملًا عندما أكمل الـ 13 عاماً.
استغرق ذلك منه نحو عامين، درس في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، في كلية الإعلام، وتخرج منها حاصلًا على المرتبة الأولى على مستوى الجامعة بأكملها، قبل أن يتمكّن من العمل في صحف سعودية عدة، بينها “عكاظ” و”المدينة”، كما أعدّ وقدّم برنامجًا بعنوان “صوت الإرادة” على محطات فضائية عدة، وكتب قصته مع المرض في كتاب عنوانه “قاهر المستحيل”.
عبد الحميد كشك.. أسد المنابر
عالم وداعية إسلامي مصري، كفيف البصر، ولد بمحافظة البحيرة، لُقّب بـ “أسد المنابر”، ويُعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي، له أكثر من 2000 خطبة مسجلة.
خطب مدة أربعين سنة دون أن يخطئ مرة واحدة في اللغة العربية، حفظ القرآن الكريم وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي الشهادة الثانوية الأزهرية كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بالأزهر.
وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف. له عدة كتابات أشهرها في رحاب التفسير.