“الاستثمار المؤثر”.. الاستثمار في المشروعات ذات البعد الاجتماعي
يشير مفهوم “الاستثمار المؤثر” إلى تلك الاستثمارات التي تُجرى داخل الشركات أو المؤسسات أو المنظمات بهدف إحداث تأثير اجتماعي وبيئي، إضافة للفوائد المالية المُكتسبة. وتوفر الاستثمارات المؤثرة رأس المال من أجل معالجة قضايا اجتماعية و/أو بيئية. وبحسب الخبير التنموي “كيث جيه. فرنانديز”. أصبح الاستثمار، الذي يترك أثراً في حياة الناس، أكثر جذباً في الفترة الأخيرة، ولاسيما بعد أن أظهرت جائحة فيروس كورونا الحاجة للاستثمار في المشروعات ذات البُعد الاجتماعي.
تاريخيًا، بدأت الفكرة كمحاولة لتقليل الآثار الاجتماعية السلبية للأنشطة التجارية، ولكن عمومًا وُجد على مر الأزمنة مستثمرون تشكل المسؤولية الاجتماعية منطلقًا لاستثماراتهم، ويُعد تجنب الاستثمار في شركات أو أنشطة لها آثار سلبية شكل من أشكال سلوكيات الاستثمار المؤثر.
ظهر مصطلح الاستثمار المؤثر في عام 2007، ويُعد الاهتمام بتقديم فوائد للمجتمع والبيئة بشكل موازٍ للاهتمام بالعائد المالي مكونًا مهمًا للاستثمار المؤثر.
يسعى المستثمرون في هذا الإطار إلى الاستفادة من رأس المال في الأعمال التجارية، والمنظمات غير الربحية، وتوظيف أموالهم في مجالات مفيدة كالطاقة المتجددة، وفي تأمين خدمات أساسية بما في ذلك الإسكان، والرعاية الصحية، والتعليم، والتمويل الصغير، والزراعة المستدامة. لعب المستثمرون المؤسسيون -لا سيما مؤسسات تمويل التنمية في أمريكا الشمالية وأوروبا وصناديق المعاشات التقاعدية- دورًا هامًا في تطوير الاستثمار المؤثر، وشهدت الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا فرانسيس اهتمامًا متزايدًا في مجال الاستثمار المؤثر.
وأظهرت المؤسسات الاجتماعية قدرة كبيرة على تقديم يد العون والإغاثة في حالات الطوارئ لسكان المناطق، التي لا تقع في نطاق تغطية الخدمات الحكومية. ومن ثم، فإن الاستثمارات في مجال المشروعات الاجتماعية في السوق تشهد، وفقاً لدراسة أجرتها الشبكة الدولية للاستثمار المؤثر في نيويورك خلال شهر يونية الماضي- ثباتاً نسبياً بل، وربما قد تسجل نمواً خلال الفترة القادمة.
يُعرّف الاستثمار المؤثر، الذي تبلغ قيمته في كافة أنحاء العالم 715 مليار دولار، بأنه عبارة عن تمويل لمشروعات من شأنها أن تٌحدث تأثيراً اجتماعياً أو بيئياً إيجابياً.
وأظهرت الدراسة المشار إليها، التي غطت آراء 294 مستثمراً رائداً يمتلكون استثمارات في مجالات الاستثمار المؤثر بقيمة 404 مليار دولار، أن الغالبية منهم ونسبتها 73% سيحافظون على استثماراتهم أو سيقومون بزيادتها في عام 2020.
شركات تصنيع التغيير
ومن جانبها، تقول ميديا نوسينتيني الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة سي-3 (والتي يعني اختصار حروفها الثلاث “شركات تصنع التغيير”):”لقد أدى ظهور وباء كوفيد-19 إلى زيادة الحاجة للاستثمار المؤثر وزاد من اهتمام المستثمرين بإرساء شركات تُحدث أنشطتها تأثيراً في حياة الناس. لم تستطع معظم المؤسسات الاجتماعية أن تواصل أنشطتها خلال ظهور جائحة كوفيد-19 فحسب، بل استطاعت أيضاً أن تحقق نجاحاً كبيراً ونمواً في حجم أعمالها. ولعل هذا الأمر يُثبت أن الشركات، التي تصنع التغيير، هي المستقبل”.
تقوم مؤسسة سي-3 بإدارة مُسرّع برامج استدامة في 11 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا. وتهدف المؤسسة إلى مساعدة رواد الأعمال، الذين يعملون من أجل تحقيق واحد على الأقل من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، لتعظيم تأثيرهم الاجتماعي وضمان استقرارهم المالي.
الاستثمارات ذات التأثير الاجتماعي
ترى ميديا نوسينتيني أن هناك اهتماماً متزايداً بالشركات الإقليمية، التي تُحدث تأثيراً إيجابياً، وأصبح هناك تفهماً أفضل لنماذج أعمالهم.
وتوضح ميديانوسينتيني هذه النقطة قائلة: “لقد اعتاد المستثمرون النظر إلى هذه الشركات باعتبارها مبادرات صغيرة أو منظمات غير ربحية. ولكن الوباء جعلهم يدركون أن الشركات، التي تسعى إلى إحداث تأثير إيجابي قابلة لزيادة حجم أعمالها على نطاق أوسع، وتتسم أنشطتها بالاستدامة والمرونة، وقابلة للاستثمار فيها.”
وبالتالي، يمكن للشركات الناشئة، التي تفكر في الجمع في أنشطتها ما بين التكنولوجيا والتنمية والتأثير الاجتماعي، أن تستفيد من هذا الاهتمام المتزايد. وتُحدد ميديانوسينتيني قطاعات مثل: التكنولوجيا الصحية والتكنولوجيا التعليمية و التكنولوجيا الزراعية باعتبارها مجالات واعدة للاستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا.
الاستثمار في علوم الحياة والرعاية الصحية
ومن ناحية أخرى، تٌشير صوفي سميث، بصفتها الشريك المؤسس والمدير التنفيذي لشركة نابتا هيلث، وهي شركة رعاية صحية مختلطة تركز على تشخيص الحالات الصحية لدى النساء التي تُضعف جهاز المناعة، أن هناك اهتماماً متزايداً بهذه المشروعات منذ تفشي وباء فيروس كورونا.
وتواصل صوفي الحديث قائلة: “قبل ظهور وباء كوفيد-19، كان هناك اهتمام بسيط أو يكاد يكون معدوماً بين شركات رأس المال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط للاستثمار في مجالات علوم الحياة والرعاية الصحية. أما اليوم، أصبحنا نرى العديد من كبار أصحاب رأس المال المٌخاطر يتجهون بعيداً عن التجارة الإلكترونية والأسواق والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا المالية، و بدأوا يركزون بشكل حصري تقريباً على مجال التكنولوجيا الصحية. لقد أدرك أصحاب رأس المال المٌخاطر الحاجة للاستثمار في مجالات الرعاية الصحية، التي يمكن الحصول عليها بأسعار معقولة للأفراد في كافة أنحاء المنطقة،وذلك بهدف تحسين الصحة العامة للسكان والحماية من الأوبئة في المستقبل.”
وتضيف صوفي أن هناك إجماع عام بين شركات التأثير الاجتماعي في الوقت الحالي، ألا وهو أن جائحة فيروس كورونا سهّلت مسألة جذب الاستثمار للمجالات التي يعملون بها، وليس العكس.
الأمن الغذائي
وتسترسل صوفي في الإيضاح بقولها: “لقد جعلت مسألة إغلاق الحدود وتعليق التجارة الحكومات تدرك أهمية بناء أنشطة ومشروعات محلية تتسم بالاستدامة، مع التركيز بشكل خاص على الأمن الغذائي وصحة السكان. ولعل هذه أخبار جيدة بالنسبة لشركات التأثير الاجتماعي، التي تتبنى دوماً نهج يتسم بالاستدامة مع رغبة في النهوض بالمجتمع المحلي.”
الاستثمار المؤثر ورؤية 2030 السعودية
ويمكن للمؤسسات الاجتماعية، علاوة على تأثيرها على المستوى الجزئي، أن تلعب كذلك دوراً أكبر على المستوى القومي. فعلى سبيل المثال، يمكن للمؤسسات الاجتماعية التي تتسم بالاستدامة المالية في المملكة العربية السعودية أن تساهم، وفقا للتقديرات الصادرة عن مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز في شهر سبتمبر، بنسبة 2.5٪ إضافية في الناتج المحلي الإجمالي سنوياً وأن تخلق أكثر من 250 ألف وظيفة بحلول عام 2030. وفي المقابل لذلك، نجد أن هذا القطاع من المؤسسات العاملة في المملكة المتحدة يساهم بنسبة 3% في الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير مؤسسة برايس ووترهاوس كوبرز بلغة الأرقام الحالية إلى أنه هناك منظمة اجتماعية واحدة غير ربحية لكل 10000 شخص في المملكة العربية السعودية، مقارنة بحوالي 50 منظمة في كندا والولايات المتحدة و 200 منظمة في فرنسا لكل ألف شخص.وترى هذه المؤسسة الاستشارية أن المؤسسات الاجتماعية وسيلة واعدة لمساعدة الأمة على تحقيق التحول الاقتصادي الطموح كما هو موضح في خطة التنمية الخاصة برؤية السعودية 2030.
ومن هنا، نجد أن الاستثمار المؤثر يمكن أن يؤدي، سواء في المملكة العربية السعودية أو في أي مكان آخر، إلى توزيع أكثر إنصافاً وعدالة للموارد مع تحقيقه في الوقت نفسه مردوداً على الأصعدة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.