اكتشاف علاج الضعف الجنسي.. بين الصدفة والإبداع
فياجرا هو العلاج الشهير لمرض ضعف الانتصاب عند الرجال، وهو أول علاج متخصص (Specific) لهذا المرض الذي يصيب حوالي 10% من رجال العالم.
معظم العاملين في مجالي الصحة والدواء، وكثير من الناس أيضا، يعرفون أن فياجرا الذي أطلقته شركة فايزر العالمية عام 1998 كان في الأساس علاجا لمرض ارتفاع ضغط الدم (Hypertension) وأمراض القلب، حيث أنه يؤدي إلى توسيع الشرايين وبالتالي يؤدي إلى خفض ضغط الدم المرتفع، ويعرفون أن اكتشاف تأثيره على الانتصاب كان بالصدفة، لكن قليلين جدا هم من يعرفون تفاصيل هذا الاكتشاف، والذي لا يخلو من طرافة.
بعد التجارب الأولية على فياجرا كعلاج لارتفاع ضغط الدم، بدأت التجارب الإكلينيكية على مرضى ضغط الدم لمعرفة الأعراض الجانبية المحتملة (Side Effects) للدواء، فتم اختيار عشرة مجموعات من الرجال المصابين بارتفاع ضغط الدم موزعين على عشرة مراكز مختلفة متقاربة جغرافيا.
بعد بدأ العلاج لاحظ المشرفون على البحث أن مجموعتين من الرجال قد حدثت لهم عملية انتصاب دون غيرهما من المجموعات الأخرى، فبدأ التساؤل: لماذا حدث هذا مع هاتين المجموعتين فقط ؟!
اكتشف الباحثون أن مركزا من الاثنين كانت المسئولة فيه عن عمل رسم قلب للمرضى المشاركين في التجارب كانت ممرضة حسناء!
وماذا عن المركز الثاني؟!
كانت الإجابة طريفة جدا.. فهذا المركز لم يكن يوجد به جهاز رسم قلب، فكان المرضى به يذهبون إلى المركز الأول لعمل رسم القلب بواسطة نفس الممرضة الحسناء !
استنتج العلماء الباحثون أن فياجرا قد سبب انتصابا للمرضى من الرجال ولكن ليس في كل الأوقات، فهو يسبب هذه الظاهرة فقط عند وجود محفز أو مثير جنسي وهو الممرضة الحسناء، أي أن فياجرا يسبب الانتصاب فقط عند وجود رغبة جنسية، وهو من أهم مميزاته كعلاج لضعف الانتصاب.
طبعا تحول مسار الأبحاث على الدواء لتصبح أبحاثا لمعرفة كيفية عمله وتأثيره كدواء متخصص لعلاج مرض ضعف الانتصاب عند الرجال.
اكتشاف تأثير فياجرا إذن كان بالصدفة (Chance)، لكن هذه الصدفة تحولت بفضل دقة ملاحظة وبراعة العلماء والباحثين إلى فرصة (Opportunity)، وهذا هو ما يسمى Serendipity أو السرنديبية، وهي في الأصل تعني العثور على أشياء قيمة بالصدفة لم تكن نبحث عنها في الأساس، وفي مجال العلم والابتكار والأعمال هي “موهبة” اكتشاف الأشياء بالصدفة، وهي موهبة فعلا وليست متاحة لكثير من الناس، فكثير من الناس تقع أمامهم صدف كثيرة تمر عليهم مرور الكرام دون أن يستفيدوا منها ويحولونها إلى فرص لاكتشاف الجديد في العالم، فالأمر يحتاج إلى ذكاء وألمعية أو علم وخبرة لكي يتم اغتنام تلك الصدف.
السرنديبية وصف مشتق من كلمة “سرنديب”، وهو الاسم العربي القديم لجزيرة سيلان، والتي هي الآن جمهورية سيريلانكا، وتعود التسمية إلى أسطورة قديمة عن ملك جزيرة سرنديب الذي أرسل أبناءه الثلاثة في رحلة حول العالم لاستكشافه واكتساب المعرفة والخبرة منه، ونتيجة لأن الأمراء الثلاثة كانوا أذكياء ولماحين، فقد اكتشفوا الكثير من الحقائق عن العالم بمشاهداتهم العابرة التي كانوا يمرون بها أثناء رحلتهم، وعن طريق حدوث صدف عابرة أمامهم يحولونها إلى علم وخبرة ومعرفة.
هناك ابتكارات علمية كثيرة أخرى ظهرت نتيجة السرنديبية، مثل اكتشاف البنسيلين بواسطة ألكسندر فليمنح، واختراع المطاط الصناعي بواسطة تشارلز جوديير، واكتشاف قوانين الجاذبية الأرضية بواسطة اسحاق نيوتن، واكتشاف قوانين الطفو بواسطة أرشميدس.
العبرة من الموضوع: افتح عينيك واعمل عقلك فيما يجري من حولك في كل مكان، فقد تكتشف شيئا لم يكن في حسبانك ولا في حسبان الآخرين.
د. هاني سليمان – المدير الإقليمي لشركة فايزر