الصحة المستدامةالصحة النفسية

هل الاكتئاب معدٍ؟ فهم ظاهرة العدوى العاطفية وتأثيرها على الصحة النفسية

على الرغم من أن الاكتئاب ليس معديًا بالطريقة التي تنتقل بها الأمراض الفيروسية، إلا أن مشاعر وسلوكيات الأشخاص قد تكون مؤثرة بشكل كبير على من حولهم، وهي ظاهرة تُعرف باسم “العدوى العاطفية”. فهل يمكن أن تتسبب البيئة الاجتماعية في انتشار الاضطرابات النفسية؟ وما مدى تأثير الأصدقاء والزملاء وأفراد الأسرة على الصحة النفسية للفرد؟


ما هي العدوى العاطفية؟

العدوى العاطفية تعني انتقال المشاعر والحالات المزاجية من شخص إلى آخر. على سبيل المثال، قد تثير رؤية شخص يضحك مشاعر الفرح لديك، بينما يمكن أن تؤدي مرافقة شخص يعاني من الاكتئاب أو الحزن لفترات طويلة إلى شعور مشابه لديك. هذه الظاهرة ليست جديدة، وقد درسها العلماء لسنوات لتحديد مدى تأثير البيئة الاجتماعية على الصحة النفسية.


الاكتئاب والعدوى الاجتماعية: ماذا تقول الدراسات؟

وفقًا لدراسة نشرت في مجلة “جاما” للطب النفسي، قد يكون هناك ارتباط بين وجود شخص يعاني من اضطراب نفسي في محيط فرد معين وزيادة احتمالية إصابته بمشكلة نفسية لاحقًا.

دراسة فنلندية، شملت أكثر من 713 ألف شخص، توصلت إلى أن طلاب الصف التاسع الذين كان لديهم زملاء يعانون من اضطرابات نفسية كانوا أكثر عرضة للإصابة بمشاكل مشابهة في المستقبل. ارتفعت المخاطر بنسب وصلت إلى:

  • 5% عند وجود أكثر من زميل واحد يعاني من اضطراب نفسي.
  • 9% عند وجود زميل واحد مشخَّص بالاضطراب.
  • 18% عند وجود أكثر من زميل يعاني من مشكلة نفسية.

عوامل مؤثرة: العدوى الاجتماعية أم البيئة؟

بينما تدعم هذه النتائج فكرة التأثير الاجتماعي، يشير بعض العلماء إلى عوامل أخرى قد تكون مسؤولة. على سبيل المثال، يميل الأطفال من الأحياء الفقيرة إلى التجمع في نفس المدارس، مما قد يجعل الاكتئاب يبدو وكأنه “عدوى”، بينما هو في الواقع نتيجة للظروف الاجتماعية.

أحد العوامل الأخرى المحتملة هو ميل الأفراد إلى الانجذاب للأشخاص الذين يشبهونهم في التجارب أو المشاعر، مما يجعل الشبكات الاجتماعية تبدو وكأنها تنقل الاكتئاب بشكل مباشر.


نقد الدراسات ونتائجها

يشير النقاد إلى أن الدراسات الحالية قد لا تأخذ جميع العوامل المؤثرة بعين الاعتبار، مثل الظروف العائلية، البيئات المدرسية، أو الضغوط الاقتصادية. ومع ذلك، يقر الباحثون بأن هناك تأثيرات معدية صغيرة على الصحة النفسية، خصوصًا فيما يتعلق بالضيق النفسي العام، الاكتئاب، والقلق.


الخاتمة

بينما لا يمكننا القول إن الاكتئاب “معدٍ” بالمعنى التقليدي، فإن البيئة الاجتماعية تلعب دورًا مهمًا في التأثير على الصحة النفسية. يمكن للأصدقاء والعائلة والزملاء أن يكونوا إما دعمًا إيجابيًا أو مصدرًا إضافيًا للضغط. لذا، فإن تعزيز الوعي بالصحة النفسية ودعم الأشخاص المصابين يمكن أن يساعد في تقليل تأثير العدوى العاطفية.

زر الذهاب إلى الأعلى