نحو أحياء أكثر ملاءمة للمسنين
يزداد متوسط أعمار البشر باطراد، وتزداد معه أهمية تصميم مساكن رعاية للمسنين ميسورة التكلفة ومريحة أكثر، هذا التقرير يلقى نظرة على بعض الاتجاهات التي ستغير مستقبل تلك المساكن.
لماذا يعد إيجاد مساكن رعاية للمسنين أمرًا بالغ الصعوبة في وقتنا الراهن؟
يعود ذلك إلى نقص العاملين المؤهلين للعناية بالمسنين في دور الرعاية والمؤسسات الصحية:
- ستصل نسبة سكان العالم الذين تتجاوز أعمارهم الستين عامًا إلى 25%، مقابل 12% حاليًا.
- يتوقع ارتفاع الطلب على العاملين في مساكن رعاية المسنين في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة تصل بحلول عام 2050م، إلى 36% وفي المقابل يتوقع نمو الطلب في باقي القطاعات بنسبة 5% فقط.
- حذر بعض المسؤولين في دول الاتحاد الأوروبي بضرورة استقطاب العاملين في مجال رعاية المسنين بتعديل سياسات الهجرة، فهم يرون أن توفير عدد كاف من العاملين لرعاية المسنين مستقبلًا من المواطنين الأوروبيين فقط أمر متعذر.
- لا تنتشر مساكن رعاية المسنين في بعض البلدان التي تقتضي ثقافتها رعاية الأفراد الأصغر سنًا لذويهم عند تقدمهم في العمر، لكن في بلدان أخرى مثل الصين التي يرتفع فيها معدل متوسط أعمار السكان سريعًا بدأت السلطات بالتخطيط لمستقبل لن يتمكن الأفراد الأصغر عمرًا من الاعتناء بالمسنين من ذويهم بالوتيرة الحالية.
ولتعويض نقص العاملين المؤهلين ظهرت حلول أخرى لسد الحاجة ومساعدة الملايين من المسنين عبر العالم:
مساكن الرعاية الصغيرة
بدلًا من الاعتماد على مؤسسات الرعاية المكتظة، بإمكان المجموعات الصغيرة من كبار السن العيش ضمن منازل على هيئة مجموعات مكونة من شخصين إلى 6 أشخاص، ومساعدة بعضهم البعض، وتوفير النفقات عبر التشارك بفواتير الإقامة، إضافة إلى استقبال الزيارات من مقدمي خدمات الرعاية المنزلية لتنفيذ الأعمال التي يتعذر عليهم القيام بها.
وفي بعض المدن الأمريكية يمكن للمسنين الراغبين في قضاء فترة الشيخوخة ضمن منازلهم دفع مئات الدولارات مسبقًا بشكل سنوي تذهب لصالح موظفين ينظمون النشاطات الاجتماعية، ويساعدونهم في جلب احتياجاتهم من البقالية والأدوية من الصيدلية، وتوصيلهم للمواعيد المختلفة.
مساكن الرعاية متعددة الأجيال
لرعاية المسنين من قبل أفراد العائلة أعباء اقتصادية ولوجستية متعددة، وتسعى سلطات المدن في مختلف مناطق العالم إلى تسهيل العملية عبر توفير منازل لعدة أجيال من أفراد العائلة.
وبدأت دول متعددة فعلًا بهذا، منها سنغافورة، بتقديم منح لشراء منازل لمن يعيشون مع المسنين من ذويهم أو بالقرب منهم.
وعرضت بعض نماذج السكن متعددة الأجيال أجورًا منخفضة على المسنين القادرين على التطوع لرعاية أطفال ساكني العمارة، وعلى الشباب القادرين على توصيل طلبات المسنين، أو تقديم الرعاية التي يحتاج إليها المسنون أثناء دوام جزئي.
وعرضت بعض المؤسسات على طلاب الجامعات خفض مصاريف إقامتهم إن خصصوا جزءًا من وقتهم لرعاية المسنين في المبنى الذي يقطنونه، ويساعد ذلك النموذج على حل مشكلة نقص العاملين في مجال الرعاية عبر تشجيع الطلاب على دخول مجال رعاية المسنين لسد العجز.
أحياء أكثر ملاءمة للمسنين
إضافة إلى توفير مساكن الرعاية يسعى مصممو المدن لتبني نموذج الأحياء الملائمة للمسنين عبر تزويدها بوسائل الراحة والتنقل المناسبة لهم.
وبدأ مخططو العديد من المدن الحديثة مثل شانغهاي بتصميم أرصفة أوسع، وبِنَى تحتية تستوعب الكراسي المتحركة، وتدعم المسنين مستخدمي أدوات المساعدة على المشي، ومنازل تسهل توصيل الطلبات للمسنين المقعدين، والعديد من المراكز الاجتماعية المنظمة الأنشطة التي تخفف من المسنين شعورهم بالوحدة والتقدم بالعمر.
وبدأت المملكة المتحدة بتخصيص أموال لتصميم أحياء صديقة للمصابين بالخرف، لتكون آمنة ومألوفة تساعد المسنين الذين يعانون من فقدان الذاكرة وأمراض ذهنية مثل داء الزهايمر، وستُعطى الأحياء الأولوية لإعطاء المسنين قدرة أكبر على التحرك، والاستمتاع بالطبيعة، وتوفير الرفقة الاجتماعية لمساعدتهم على التخفيف من الآثار لمرضهم.
أحياء صديقة للمصابين بالخرف
تقنيات المنازل الذكية
وتساعد تقنيات المنازل الذكية المتقدمة المسنين سواء في مساكن الرعاية التقليدية أو في منازلهم.
فأجهزة مثل “إلي كيو ولايفيود، وميدمايندر، ووالابوت هوم” وغيرها تعمل كمساعد شخصي يذكر المسنين بمواعيد أدويتهم، ويراقب حركتهم ويتصل بالطوارئ في حال سقوطهم، بالإضافة إلى أنها تربطهم بأصدقائهم وأحبائهم بواسطة مكالمات الفيديو، وتشغيل إضاءة غرف المنزل بشكل تلقائي، وتتأكد من إطفاء الأجهزة المنزلية كالموقد، وتتحكم عن بعد بمختلف الأجهزة المنزلية وغيرها.
وتساعد أجهزة مثل ” كبركوتش” في مجال مواعيد الطب عن بعد، وتعمل كمرافق للمسنين عند عدم توفر مرافقين بشريين؛ لمساعدتهم على التخلص من آثار الوحدة واكتشاف المشكلات الصحية قبل تفاقمها، وإفساح المجال للعاملين في مجال الرعاية الصحية على التركيز على المسنين الأكثر حاجة للرعاية.
ودفعت الجائحة الفيروسية العديد من مساكن الرعاية إلى ربطها بصورة أفضل مع العالم الخارجي عبر توفير بنى تحتية تتيح إجراء مكالمات الفيديو، وإتاحة جولات الواقع الافتراضي لترفيه المقيمين وتوفير مواعيد الطب عن بعد.
وفي الأخير: قد يبدو تطوير المزيد من التقنيات لمساعدة كبار السن أمرًا ملحًا، إلا أن المدن الذكية حول العالم بدأت بمعالجة الحاجة الماسة لرعاية المسنين عبر استخدام التقنيات المتطورة، وعبر تحسين الظروف الاجتماعية، بهدف تسهيل اتصالهم بأقربائهم وأحبائهم وتحسين ظروفهم المعيشية.