كيف اهتم الإسلام بالمعاقين بصريًا؟
كفل الإسلام للمعوق البيئة الجيدة المناسبة التي يتمكن فيها من استغلال أقصى قدراته لتحقيق أسمى طموحاته، فالمعوق في نظر الإسلام إنسان أولًا ثم معوق ثانيًا، له حقوق طبيعية يتمتع بها، وعليه واجبات أساسية يؤديها كأي فرد من أفراد المجتمع.
وأعطانا الله تعالى في القرآن الكريم معنًى للمعاق قد يغيبُ عن الأذهان؛ قال الله تعالى: “أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” (الحج: 46)، قال ابنُ كثير (رحمه الله) في تفسيره لهذه الآية: “أي: ليس العَمَى عَمَى البصَر، وإنما العَمَى عَمَى البصيرة، وإن كانت القوةُ الباصرة سليمةً، فإنها لا تنفُذُ إلى العِبَر، ولا تدري ما الخَبَر”، ثم ذكر شعرًا لابن حيان الأندلسي، منه:
إن كنتَ لا تسـمَعُ الذِّكرى ففِيمَ ترَى في رأسِك الواعيانِ السَّمعُ والبصَرُ
ليس الأصمُّ ولا الأعمَى سوى رجُلٍ لم يَهْدِه الهاديانِ العينُ والأثَرُ
وليس أدل على مكانة الإنسان المعوق في الإسلام من أن الله – سبحانه وتعالى – قد عاتب نبيه محمدًا (صلى الله عليه وسلم) في شأن الصحابي الكفيف عبد الله بن أم مكتوم، بقوله تعالى: “عبس وتولى. أن جاءه الأعمى. وما يدريك لعله يزكى. أو يذكر فتنفعه الذكرى” (عبس: 1-4).
وتتصل حلقات اهتمام الإسلام بالمعوقين إلى عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خلفاء المسلمين، الذين حرصوا على توفير الرعاية الكريمة للفئات المعوقة في المجتمع، لدرجة أن عمر بن عبد العزيز أصدر أمره بعمل إحصاء للمعوقين في عهده، وخصص مرافقًا لكل كفيف، وخادمًا لكل مُقعد لا يقوى على أداء الصلاة وقوفًا”.
ولم يكن ما أوردناه آنفًا عن مدى اهتمام الإسلام بالمعوقين عامة، والمكفوفين خاصة، هو رؤية خالصة للمسلمين فقط، وإنما شاركهم فيها غير المسلمين.
يقول KIRTLEY)) 1975: إن أوضاع المعوقين بصريًا في الدولة الإسلامية كانت أفضل من أوضاع أقرانهم في أوروبا.
لقد نال المعوقون بصريًا قدرًا كبيرًا من الاهتمام والرعاية في مجالات مختلفة، إذ كان للدين الإسلامي أعظم الفضل وأعمق الأثر في بدء الحركة الفكرية والعلمية في عالم المعوقين بصريًا.
وتقول ROSS (1951): “إنه عندما بسط محمد (صلى الله عليه وسلم) سلطانه على الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، اجتاحت المكفوفين موجة من النور ذات آثار بعيدة المدى”.
وتؤكد ROSS أن الاهتمامات العلمية في مجال قضايا المكفوفين قد ظهرت وازدهرت إبان عهد الدولة الإسلامية.
ويقول FARRELL 1956 إن جامعة الأزهر كانت أول مؤسسة تعليم عالٍ تفتح أبوابها للمكفوفين منذ أكثر من ألف سنة.
ومنذ ذلك التاريخ الذي قبلت فيه جامعة الأزهر تدريس المكفوفين جنبًا إلى جنب مع أقرانهم المبصرين قبل أكثر من ألف عام، سرى ذلك التقليد في كثير من بلدان العالم الإسلامي ومنها المملكة العربية السعودية التي ما كاد موكب التعليم يشق طريقه فيها حتى كان المكفوفون ضمن طلائع الذين انضموا إلى ركبه، حيث التحقوا بالمدارس العادية، وأخذوا يدرسون العلوم الشرعية واللغة العربية مع إخوانهم المبصرين، تدفعهم عزيمتهم وقوة إرادتهم إلى تحقيق النجاح والتفوق حتى بلغ بعضهم بعد تخرجه مراكز قيادية مرموقة في بلادنا الحبيبة.