في يومهم العالمي.. (أصحاب الهمم) بين الإسناد والإنجاز
بقلم رئيس التحرير/ أ.د محمد الطريقي
وضعت هيئة الأمم المتحدة يومًا عالميًا تمَّ تخصيصه للأشخاص الذي يعرفون بذوي الاحتياجات الخاصة، أو اليوم العالمي لذوي الإعاقة، إذ توجد الكثير من المناسبات الدولية التي وضعت من قبل الهيئة الهامة للأمم المتحدة؛ بهدف تسليط الضوء على قضية معينة من القضايا البشرية، ولهذه المناسبات أهمية كبيرة إذ تساهم في زيادة الوعي تجاه تلك القضايا، واهتمامهم بها ما يعود بالنفع على جميع البشر، ومن تلك المناسبات السنوية اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، الذي يتم فيه التعريف بهذا اليوم، والتعريف بهموم ذوي الإعاقة، أو ذوي الاحتياجات الخاصة، وأعمال الأمم المتحدة تجاههم، وما إلى هنالك من معلومات متعلقة، وقد تمَّ إقرار ذلك اليوم أول مرة في عام 1992م، والهدف منه دعم الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى فهم قضايا أصحاب الإعاقة على وجه الأرض، والعمل على دعم التصاميم التي تكون صديقة لجميع الناس، وذلك من أجل ضمان المحافظة على حقوق جميع البشر بما فيهم الأشخاص أصحاب الإعاقات، ويدعو ذلك اليوم إلى زيادة وعي البشر في إدخال الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة الاجتماعية، ودمجهم في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية دون موانع، أو حرج طالما أنهم قادرون على الإنجاز، وتحقيق ذواتهم.
وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 م، ويشكل الشمول إحدى السمات المميِّزة لهذه الخطة: فهي لا تعتبر المجتمعات المحلية المهمشة مجرد جهات مستفيدة منها، بل هي أطراف رئيسية شاركت في وضع التصور العام لها، وفي صياغتها.
وتتعهد تلك الخطة بإشراك الجميع في التنمية، وعدم ترك أحد خلف الركب، وتتمسك بالرؤية المتمثلة في “عالم قوامه العدل والإنصاف والتسامح والانفتاح والإشراك الاجتماعي للجميع، وتلبى فيه احتياجات أشد الفئات ضعفاً”. وأسفرت عملية مكثفة من المشاورات العامة، شارك فيها المجتمع المدني، عن أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها 17 هدفاً، وعن المقاصد المتصلة بها، والبالغ عددها 169 مقصداً، منها سبعة مقاصد تذكر بوضوح “الأشخاص ذوي الإعاقة” أو “الإعاقة”. وما عدا ذلك، فكافة الأهداف والمقاصد بطبيعتها عالمية، وشاملة للجميع، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة.
وسعياً إلى حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتشجيعهم على تطوير طاقاتهم البشرية بالكامل، أعيد التأكيد في أهداف التنمية المستدامة على روحية اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والالتزامات المدرجة فيها.
رؤية 2030
وتعد مملكتنا الحبيبة المملكة العربية السعودية من ضمن الدول التي انضمت، وصادقت على هذه الاتفاقية التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2006، وتسهم بشكل فاعل في هذا المضمار، وتقدم برامجها، وأنشطتها، ومشاريعها آخذة في الاعتبار هذه الفئة الاجتماعية التي تحظى باهتمام بالغ، وتقدير كبيرفي ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين المير محمد بن سلمان حفظهما المولى عزوجل.
وتماشيا مع التوجه الدولي والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نجد في المادة26 التي تهم تأهيل وإعادة تأهيل ذوي الإعاقة ما يلي: “تتخذ الدول الأطراف تدابير فعالة ومناسبة، بما في ذلك عن طريق دعم الأقران، لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من بلوغ أقصى قدر من الاستقلالية والمحافظة عليها، وتحقيق إمكاناتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والمهنية على الوجه الأكمل، وكفالة إشراكهم ومشاركتهم بشكل تام في جميع نواحي الحياة. وتحقيقا لتلك الغاية، تقوم الدول الأطراف بتوفير خدمات وبرامج شاملة للتأهيل وإعادة التأهيل وتعزيزها وتوسيع نطاقها، وبخاصة في مجالات الصحة والعمل والتعليم والخدمات الاجتماعية…” وفي الفقرة 3 من نفس المادة: “تشجع الدول الأطراف توفير ومعرفة واستخدام الأجهزة والتقنيات المُعِينة، المصممة للأشخاص ذوي الإعاقة، حسب صلتها بالتأهيل وإعادة التأهيل.”
ويأتي انضمام المملكة إلى الاتفاقية وبروتوكولها الاختياري انطلاقاً من قيمها وأنظمتها المستمدة من الشريعة الإسلامية، التي أوجبت حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وحظرت كل انتهاكٍ ضد هذه الفئة. إذ نجد أن النظام الأساسي للحكم باعتباره دستور المملكة نص على أن «تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية والتي تعزز مفاهيم العدل والمساواة ومنع التمييز على أي أساس ومنها الإعاقة». وهنا يتجلى الاهتمام الخاص الذي توليه المملكة للمواطنين دون إقصاء أو تمييز.
وتخدم رؤية المملكة 2030 كل المواطنين من أجل الارتقاء وتحقيق التطلعاتوالآمال إضافة إلى تعزيز حقوقهم، بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة، وفق الأهداف التي جاءت بها الرؤية، حيث نصت على ضرورة تمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة من أجل الحصول على فرص عمل مناسبة وتعليم جيد كي يتمكنوا من استقلاليتهم واندماجهم في المجتمع.
ومن أجل استدامة تأهيل ذوي الإعاقة، لا يجب أن تنحصر حقوقهم في الدعم والتحفيز، بل يجب أن نتجاوز هذا المنظور إلى التأهيل والتمكين كي يتحقق دمجهم كفاعلين في المجتمع مثلهم مثل “الأصحاء”، وهذا هو التوجه الذي جاءت به رؤية 2030، لكي تتوقف عملياتإقصائهمويتم كذلك استثمار طاقاتهم. ويعتبر ذوي الإعاقة شريحة مهمة من المجتمع تحتاج للعناية والتأهيل والتدريب لكي يتمكنوا من المساهمة بفعالية مع بقية شرائح المجتمع في تحقيق رؤية المملكة 2030.كمانجد من برامج الرؤية تحسين جودة الحياة للفرد والمجتمع، حيثتفتح هذه البرامج آفاقا جديدة لقطاعات جودة الحياة، والتي تمس المواطنين بشكل مباشر بدون استثناء، بمن فيهم ذوي الإعاقة.
ووفقا لأهداف وتوجهات رؤية المملكة 2030، ينبغي علينا السعي لتوفير الوصول الشامل (accessibility) للأفراد ذوي الإعاقة من خلال ربط احتياجات السياق المحلي والاقتصاد الوطني بمحركات الابداع والاختراع والابتكار واستثمار الاقتصاد المعرفي كرافد وجزء لا يتجزأ من الاقتصاد الوطني. ويمكن تحقيق ذلك من خلال ربط البحوث التطبيقية بالاحتياجات المحلية لتلبية احتياجاتنا أولا، ومن ثم تسويقها على الصعيد الدولي بموجب براءات اختراع. بهذا الشكل يمكننا انتزاع الصدارة من الغرب، وتحقيق السبق، والاستفادة من تحويل البحوث التطبيقية القائمة على البحوث العلمية العامة إلى مصادر دخل قومي، أي تنمية واستثمار الاقتصاد المعرفي. أقوى الشركات في العالم حاليا ليست تلك القائمة على تصنيع وتحويل المواد الخام، مثل السكر والشاي والحبوب، بل القائمة على الاقتصاد المعرفي، والتي يمكنها تحويل الفضاء السيبراني أو المادة الخام البسيطة إلى سلعة ذات قيمة كبيرة، كشركات جوجل وفيسبوك أو كتجميع بعض البلاستيك والمعادن وألياف الكاربون وتحويلها إلى جهاز حاسوب، قد لا تتعدى قيمة المواد الخام فيه ربع قيمته عند البيع، أو شرائح إلكترونية تستخدم في كافة الأجهزة الذكية حاليا (وهذا ما شرعت مملكتنا الحبيبة في انتاجه).
تأهيل وارتقاء
إننا في مركز العالم ومن منطلق المساهمة في الارتقاء بهذه الشريحة، وإشراكها في التنمية المستدامة، نهضنا من موقع المسؤولية، بتأسيس مجلة علمية متخصصة، هي مجلة (عالم الإعاقة) وهي من المجلات المعدودة على المستوى العالمي، في القضايا المجتمعية، والنفسية، والتعليمية المتعلقة بالإعاقة (الحسية، والحركية، والذهنية).. ولمن يعانون من مشكلات الشيخوخة إضافة الى قضايا الإدمان، وقضايا العلاج والتأهيل. والتوجيه بطرق التأهيل، والحماية، والرعاية.. على مستوى الفرد والأسرة.. وبما تكفله لهم المؤسسات، والحكومات. من حق في العمل، على قدم المساواة مع الآخرين؛ ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه، أو يقبلونه بحرية في سوق عمل، وبيئة عمل منفتحتين أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما.
وبذلك فإننا نكون قد وضعنا قضية هذه الشريحة على المحك العلمي، والمعرفي، والتنموي الشامل على مستوىً عالميٍ بما يحقق ارتقاء نوعيًا، ودقيقًا، ومتخصصًا في حمل طموحات هذه الشريحة، وأسئلتها في الحياة، والعمل على إقامة الفعاليات، والمؤتمرات العلمية المتخصصة، للتخفيف من معاناة هذه الشريحة من ناحية، وتفعيل دورها في التنمية المستدامة من ناحية أخرى، فهذه الطبقة بقدر ما تحتاج للدعم والإسناد، هي أيضًا قادرة من خلال التوجيه، والتدريب، والتأهيل إلى المشاركة بفعالية في كل الشأن التنموي، ورفده بالفكرة، والإنجاز.
إننا وفي هذه المناسبة في مركز العالم نؤكد للعالم، ولذوي الاحتياجات الخاصة في العالم أننا ماضون في حمل قضيتهم، وهمومهم، وطموحاتهم، فنحن معكم أيها المثابرون، يا (أصحاب الهمم) وأنتم تقتحمون الحياة، وتتحدون الصعاب، وتزرعون الأمل في كل أفق، نحن معكم، وأنتم تتمردون على المعاناة، ونحن معكم وأنتم تستعصون على الألم، ونحن معكم، وأنتم تمنحون الحياة معنى الحياة.