عثمان الكناني: قصة إصرار وبطولة في تأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين في العراق
قبل 16 عاماً، واجه عثمان الكناني فقدان بصره مما جعله يعيش في حالة من الخوف والضياع، معتقدًا أنه قد يفقد صلته بالشيء الذي يعشقه منذ صغره: كرة القدم. لكن قوة الإصرار التي تحلى بها دفعته إلى تحويل هذا الخوف إلى دافع أساسي لتأسيس أول فريق كرة قدم للمكفوفين في العراق، ليكون قدوة في عدم الاستسلام أمام التحديات.
في حديثه مع وكالة الصحافة الفرنسية، يروي عثمان، البالغ من العمر 51 عاماً، كيف كانت السنة الأولى بعد فقدانه للبصر من أصعب أيام حياته. يقول: “نسيت حتى كيفية المشي، وأصبحت أعتمد كلياً على السمع”. ورغم هذه الصعوبات، لم يفقد شغفه بلعبة كرة القدم التي كانت جزءاً كبيراً من حياته.
البداية: من الشغف إلى تأسيس فريق رياضي فريد
في عام 2008، فقد الكناني بصره بشكل دائم بسبب استخدام خاطئ للأدوية لعلاج حساسية موسمية في العين، مما أدى إلى إصابته بمرض الغلوكوما، وهو تلف في أنسجة العصب البصري. إلا أن البعد عن كرة القدم لمدة ثماني سنوات زاد من صعوبة الأمر عليه.
لكن في عام 2016، بدعم من “مؤسسة السراج الإنسانية” التي أسسها بنفسه لرعاية المكفوفين في مدينته كربلاء، تمكن الكناني من تشكيل فريق لكرة الهدف، وهي رياضة يستعمل فيها المكفوفون أيديهم لإرسال الكرة إلى الهدف. وبعد النجاح في هذا المشروع، وبدافع من حبه لكرة القدم، قام عثمان بتأسيس أول فريق لكرة القدم للمكفوفين في العراق عام 2018 وتفرغ لإدارة شؤونه.
إعادة الاندماج والمشاركة في المنافسات الدولية
يعتمد عثمان بشكل كبير على ابنته في التواصل مع المؤسسات الدولية، وكان ذلك مفتاحاً للحصول على دعم من مؤسسة IBF Foundation المعنية برياضة كرة القدم للمكفوفين حول العالم. وفي عام 2022، تمكن الفريق من الحصول على دعم ومعدات رياضية شملت أقنعة تعتيم للعيون وكرات خاصة باللعبة، ما جعله يقول: “هكذا انطلق الحلم الرائع”.
الفريق، الذي يتخذ من ملعب خماسي كرة القدم في بغداد مكاناً لتدريباته، يضم 20 لاعباً من مختلف المحافظات. التدريبات تقام ثلاث مرات أسبوعياً، حيث يجتمع اللاعبون للمشاركة في جلسات تدريبية مكثفة.
قواعد لعبة كرة القدم للمكفوفين
تتطلب كرة القدم للمكفوفين مهارات خاصة. الملعب يبلغ طوله 40 متراً وعرضه 20 متراً، ويستخدم اللاعبون كرات ينبثق منها صوت جرس يساعدهم في تحديد موقعها. يتطلب الأمر تواصلاً صوتياً مستمراً بين اللاعبين والحارس والمدرب لتحديد مواقعهم على أرض الملعب. وكجزء من القواعد، ينادي اللاعبون بكلمة “فوي” وهي كلمة إسبانية تعني “أنا أذهب”، لتفادي الاصطدام ببعضهم.
التحديات والطموحات
على الرغم من الصعوبات المالية التي يواجهها الفريق، بما في ذلك تأخر التخصيصات المالية من اللجنة البارالمبية العراقية، إلا أن روح الإصرار والتحدي لدى اللاعبين قوية. ومن المتوقع أن يشارك الفريق في أول بطولة ودية خارجية له في المغرب في يونيو القادم.
حيدر البصير، قائد الفريق الذي يحمل شهادة في علم الاجتماع، يعرب عن تفاؤله قائلاً: “الصعوبات لم تقف حائلاً أمامنا، لقد تجاوزناها بدعم أسرنا وإيماننا بأن لا مكان للتردد أو الخوف”. كما يطالب المؤسسات الرياضية بتقديم المزيد من الدعم، بما في ذلك توفير وسائل النقل للاعبين لتخفيف أعباء السفر.
المستقبل والطموحات
يتطلع طارق الملا، رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم للمكفوفين، إلى انتشار هذه اللعبة في بقية مدن العراق وتشجيع تأسيس فرق جديدة. ويأمل المدرب علي عباس في تحسين أداء الفريق وزيادة مهارات اللاعبين من خلال معسكرات تدريبية إضافية، خاصة بعد مشاركتهم في معسكر تدريبي ناجح في إيران.
في النهاية، يظل فريق كرة القدم للمكفوفين في العراق مثالاً حياً على قدرة الإنسان على تحويل التحديات إلى فرص، بفضل العزيمة والإرادة القوية.