الصحة المستدامة

شفاء أول مصاب بمرض السكري من النوع الأول.. وطبيب بـ “هارفارد” يكشف التفاصيل

تشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة إلى إصابة 422 مليون شخص بالغ بالسكري على الصعيد العالمي في عام 2014 مقارنة بإصابة 108 ملايين شخص في عام 1980. وكاد معدل الانتشار العالمي للسكري (الموحد حسب السن) يتضاعف منذ عام 1980، إذ ارتفع من 4.7% إلى 8.5% لدى البالغين، ويبرز هذا زيادة في عوامل الخطر المرتبطة بقضايا مثل زياردة الوزن والسمنة، وعلى مدى العقد الماضي، اتسعت رقعة انتشار مرض السكري اتساعات كبيرا في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل عنها في البلدان مرتفعة الدخل.

يذكر داء السكري من النوع الأول يتسم, بنقص إنتاج الإنسولين، ويقتضي تعاطي الإنسولين يومياً، ولا يُعرف سبب داء السكري من النوع الأول، ولا يمكن الوقاية منه باستخدام المعارف الحالية.

وتشمل أعراض هذا الداء فرط التبوّل، والعطش، والجوع المستمر، وفقدان الوزن، والتغيرات في البصر، والإحساس بالتعب، وقد تظهر هذه الأعراض فجأة.

العلاج بالخلايا الجذعية

مؤخراً أعلنت كبرى شركات الأدوية العالمية, وهي شركة (Vertex Pharmaceuticals)، عن شفاء أول مصاب بمرض السكري من النوع الأول بواسطة علاج مشتق من الخلايا الجذعية.

ويحمل العلاج اسم (VX-880) وهو عبارة عن علاج استعادي لوظائف خلايا البنكرياس وهو مشتق من الخلايا الجذعية، وفقًا لتقرير شركة الأدوية التي طورت الدواء.

وتلقى المواط الأمريكي “براين شيلتون” يبلغ من العمر 64 عامًا، حقنة واحدة تحمل نصف الجرعة المستهدفة، من خلال حقن الوريد البابي الكبدي بالاشتراك مع خضوعه لنظام معياري للعوامل المثبطة للمناعة. وأظهر العلاج الذي تلقاه “شيلتون”, نتيجة سريعة وقوية لديه في عدة اتجاهات تشمل التحكم في نسبة السكر في الدم وانخفاض الاحتياج لتلقي جرعات الأنسولين من مصادر خارجية، وبعد تلقي العلاج، انخفض احتياج المريض للأنسولين الخارجي بنسبة 91%.

تاريخ المريض

تم تشخيص “براين شيلتون” بمرض السكري منذ حوالي 40 عامًا، وكان يعتمد في تعايشه مع المرض على الأنسولين الخارجي حيث كان يتناول 34 وحدة في اليوم.

وفي العام الذي سبق العلاج، عانى “براين شيلتون” من 5 نوبات شديدة من نقص السكر في الدم مما عرض حياته للخطر، كما كانت مستويات “الببتيد C” لديه وهي مادة ينتجها البنكرياس بجانب الأنسولين، غير قابلة للاكتشاف، بالإضافة إلى أن جسمه لم يكن ينتج الأنسولين.

نقطة تحول لمرضى السكري

وفى تعليقه على هذا الإنجاز الطبي الكبير, قال “جيمس ماركمان”، أستاذ الجراحة ورئيس قسم جراحة زرع الأعضاء في مستشفى ماساتشوستس العام: “نحن متحمسون للتقدم في هذا الاتجاه الطبي الفريد الذي يحتمل أن يكون نقطة تحول للمرضى”.

فيما قال “دوج ميلتون”, الأستاذ بجامعة هارفارد: “منذ أكثر من عقد من الزمان، كان لدى مختبرنا رؤية لتطوير علاج وظيفي للأشخاص الذين يعانون من هذا المرض”، مضيفا أن النتائج المحققة تمثل أملًا كبيرًا في تطوير العلاج المشتق من الخلايا الجذعية، والذي قد يغير حياة الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري من النوع الأول الذي يستمر معهم طوال الحياة.

الدكتور أسامة حمدي

مراحل العلاج

وفى نفس السياق أشار الدكتور أسامة حمدي، أستاذ أمراض الباطنة والسكر في جامعة هارفارد الأمريكية، إلى أن تحويل خلايا جذعية إلى خلايا بنكرياس خارج الجسم تعد عملية معقدة جداً وتمر بـ20 مرحلة وبعدها يتم زرعها فى الكبد لتنتج الأنسولين، ولكن هى خلايا بنكرياس خلقت من الخلايا الجذعية، وهو من تحويل نسيج الجلد إلى خلية جذعية ومنها تحول إلى خلايا بنكرياس، وتعتبر هى المرحلة الأولى التى وافقت عليها هيئة الدواء الأمريكية.

وأضاف الدكتور حمدي، أن الإنجاز الحقيقى هو تحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياس، مضيفاً أن العمليات سيتم عملها للحالات الخطيرة من مرضى السكر غير منتظم وحياتهم معرضة للخطر ولكن فى المستقبل أن هذا العلاج سيكون متاح لجميع المرضى.

وتابع أنه يتم حقن الخلايا الجذعية فى وريد المريض ولا يتطلب العلاج لجراحة ولكنه يحتاج إلى أدوية مثبطة للمناعة،  مؤكدا أن الأبحاث الأولية على العلاج أسفرت عن نجاح أول عملية لتحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا بنكرياس، وننتظر 17 عمليه أخرى، مضيفا أن الدراسات تعكف حاليا على لإيجاد طريقة لاستخدام العلاج الجديد دون الحاجة لتعاطى مثبطات المناعة.

وأكد د. حمدي أن عملية زراعة البنكرياس كان يتم من عشرات السنين، وكذلك زرع خلايا البنكرياس منذ عشرين عاما ولكن المشكلة عدم وجود خلايا تكفى للزرع، ولكن أخذ الخلايا الجذعية من الدم والنخاع لا تؤدى إلى شىء.

وأوضح د. حمدي أن المشكلات الثلاثة التي كانت تواجهنا في علاج هذا النوع من السكر هى:

 1- كيف نستطيع الحصول على عدد كاف من خلايا البنكرياس المُفرِزه للأنسولين؟

فالحصول عليها من بنكرياس المتوفين حديثًا أو من الأجنة أثبت محدوديته الشديدة والحاجة الماسة لكمية أكبر من الخلايا لاستمرار الشفاء لمدة تتعدى السنة.

 2- كيف نحافظ على هذه الخلايا إن حصلنا عليها ونحميها من مهاجمة الأجسام المناعية التي سبق لها من قبل تدمير خلايا البنكرياس التي تفرز الانسولين وكانت سببًا لهذا النوع من السكر؟

 فما زالت الأجسام المناعية كامنةً في دم المريض، وإعطاء المريض أدوية مثبطة للمناعة يحمل في طياته بعض المشاكل.

 3- كيف نمد هذه الخلايا بعد زراعتها بالتغذية والأكسجين لتعيش لأطول من سنة.

وقال:” استطاع ميلتون في 2014 أن يحل المشكلة الأولى حيث فك شفرة تحويل خلايا الجسم العادية كخلايا الجلد إلى خلايا البنكرياس التي تفرز الأنسولين، وإنتاج كمية كبيرة من الخلايا بهذه الطريقة تكفي للشفاء وهو إنجاز غير مسبوق، واحتفلنا بميلتون هنا في بوسطن على هذا الإنجاز الرائع في حفل نظمه مركز جوزلين الذي أعمل به، وفي 2019 اشترت إحدى الشركات في بوسطن الشركة التي أسسها ميلتون مع براءة  اختراعه بمبلغ 980 مليون دولار”،  وعلى الصعيد الآخر توصلت شركة أخرى بسان دييجو بولاية كاليفورنيا في سنة 2000 إلى اكتشاف طريقة جديدة تحول بها الخلايا الجذعية إلى خلايا أخرى عند زراعتها تتحول الى خلايا للبنكرياس pancreatic progenitor cells.  وأمكن بهذه الطريقة إنتاج تريليون من الخلايا المفرزة للأنسولين بسهولة.

وقال:” لذا فقد حُلت المشكلة الأولى والكبيرة بامتياز وإن كان لكل طريقة مزاياها، استمرت المنافسة بين الشركتين لحل المشكلة الثانية وهى حماية خلايا البنكرياس المُخلقة من مهاجمة الأجسام المضادة، وقررت إحدى الشركتين زرع الخلايا مباشرة في الوريد البابي للكبد ومن ثم العلاج بالأدوية المثبطة للمناعة حتى لا يلفظهم الجسم، ولقد وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في مارس الماضي على منح الأولوية القصوى لبروتوكول الشركة للدراسة الإكلينيكية على 17 مريض بالسكر من النوع الأول.

وأضاف، وحيث إن هذه الطريقة قد نجحت من قبل مع الخلايا المنزوعة من بنكرياس المتوفين حديثًا وباستخدام بروتوكول مبتكر لأدوية تثبيط المناعة صممته جامعة ادمنتون في كندا، فنجاح التجربة أصبح في حكم المؤكد لو سارت الأمور كما هو مخطط لها، ولكن ربما سيحتاج المريض لإعادة حقن الخلايا سنويًا وهو ما تعتقد الشركة إنه ممكن حيث بإمكانها الآن انتاج عدد ضخم من هذه الخلايا بلا عائق كبير.

توخي الحذر

يذكر انه عقب التوصل لهذه النتائج أصيب خبراء السكري بالدهشة، لكنهم حثوا على توخي الحذر، فالدراسة مستمرة وستستغرق 5 سنوات، وتشمل 17 شخصاً يعانون من حالات شديدة من مرض السكري من النوع الأول، ولا يُقصد به أن يكون علاجا لمرض السكري النوع 2 الأكثر شيوعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى