سبعينية مغربية تُسعد المكفوفين بأجمل اللوحات الفنية
“خديجة بوكرين”.. مُسنة مغريبية تبلغ من العمر 70 سنة، أثبتت أن الإبداع لا سن له، حيث تصنع لوحات بالعقيق والأزرار لفائدة المكفوفين، “لأنهم يبصرون بقلوبهم”. حكاية ” خديجة بوكرين” بدأت خلال فترة الحجر الصحي الذي فرضه المغرب عام 2020 إثر جائحة كورونا، لتنطلق أنامل الجدة في إبداع لوحات، بمساعدة الأحفاد واقتراح الأبناء ودفء العائلة الذي يمنح لها قوة واستمرار.
بداية الحكاية
قبيل بداية الحجر الصحي الذي بدأ بالمملكة المغربية في مارس 2020، طلب الابن “نور الدين شكردة” من أمه “خديجة بوكرين” الاستقرار معه في منزله وسط مدينة فاس، خشية أن يفقد التواصل معها بسبب الحجر.
في حضن العائلة، بدأت الجدة “خديجة بوكرين” تبدع وهي تركب العقيق، وبجانبها حفيدتها وحفيدها يعملان على إتمام تمارين مدرسية تارة، وعلى إعانتها تارة أخرى، وبين المشهدين، تأتي موسيقى جميلة من آلة القانون من الحفيدة الكبرى.
إنها علاقة حب تجمع أفراد العائلة، جدة وابنا وزوجة وأحفادا. وقالت بوكرين: “اقتنى ولدي للأحفاد العقيق حتى يلعبوا به، وفي فترة الحجر عندما منع الخروج طلبوا مني أن ألعب معهم وأشاركهم، وبدأت بإعداد عدة أشكال”.
خديجة بوكرين وظلام الحجر الصحي
وأضافت في حديثها لوكالة الأناضول: “منذ ذلك الوقت بدأت بالاشتغال على إلصاق العقيق في الثوب”. خديجة لم تلعن ظلام الحجر الصحي، بل أشعلت شمعة أضاءت بها طريقها وطريق عائلتها، وهو نفس النور الذي سيطال المكفوفين أيضا في وقت لاحق. تأخذ أولا الثوب وتضع له إطارا من العقيق تطلق عليه اسم “الحد”، وتنطلق عملية وضع العقيق والأزرار الواحدة تلوى الأخرى، لتبدع لوحات جميلة، بشكل زهور أو مساجد أو معالم مدينة. أمور تبدو بسيطة ولكنها كبيرة لدى الجدة، حيث ملأت حياة الأسرة بهجة وسعادة، لها ولعائلتها ومعارفها وللأفراد عندما تقوم بعرض ذلك في معارض.
لوحات للمكفوفين
في ظرف عام ونصف أنتجت “خديجة بوكرين” 46 لوحة، وتم عرضها في معرض في مدينة فاس، ولاحظت آنذاك أن المكفوفين لم يزوروا المعرض، لتخبر ابنها باعتزامها إعداد لوحات لفائدتهم حتى يتسنى لهم الحضور والاستمتاع بهذه اللوحات، خصوصا أن ذلك سيكون سهلا عبر عملية اللمس. وقالت خديجة: “فكرت كثيرا في المكفوفين، لذلك عملت هذه اللوحات لفائدتهم حتى يلمسوا اللوحات بأيديهم، ويروها بقلوبهم ويفرحوا معنا ونفرح معهم”.
وفي ظرف سنة واحدة، استطاعت أن تبدع 12 لوحة بالعقيق لفائدة المكفوفين، ونظمت معرضا لفائدتهم. حضر كثير من المكفوفين إلى المعرض وأبدوا سعادة غامرة، وسألوا عن العقيق والألوان والأشكال، كما بدت الفرحة ظاهرة على وجوهم. “بعدما أعجبوا باللوحات، دعوا لي بتمام الصحة والعافية، وأن أيضا دعوت معهم، حيث أصبحوا قريبين مني مثل أبنائي”، وفق ما قالت خديجة.
نور الدين بدوره تواصل مع أستاذ لتوفير فقرات بطريقة برايل (تمكن المكفوفين من القراءة عبر اللمس)، تم وضعها أسفل اللوحات التشكيلية لتقريبها أكثر من المكفوفين. كانت الجدة في صغرها تعد الصقلي والمضام (أشكال خياطة تقليدية)، وبعدما انشغلت بتربية الأبناء لم تعد تقوم بذلك إلى غاية الحجر الصحي حيث تعلمت إنجاز هذه اللوحات. ربطت خديجة علاقة مع العقيق حيث تنشغل طيلة اليوم في إعداد لوحات، والأمر لا يخلو من مصاعب حيث يتصادف أحيانا أن تخيط الجدة ثوبها مع الثوب (اللوحة) الذي تعده، لتطلب من الحفيدة أن تفك ذلك، ولا تخلو العملية من ابتسامات أفراد العائلة.
تستغرق خديجة مدة طويلة في إعداد اللوحات، وتراوح ما بين أسبوعين و4 أشهر. في كل ليلة وقبل نومها، تفكر خديجة في شكل لوحة اليوم التالي، وعندما تنتهي من كل لوحة تسأل نفسها: “هل فعلا أنا من صنعت هذه؟”. وتستمد خديجة أشكال اللوحات من الطبيعة ومن خلال حواراتها مع أبنائها وأحفادها أو اقتراحهم، وفق تعبيرها فإن “الإبداع غير مرتبط بسن معين”. ودعت السيدة المغربية نظيراتها من مختلف الأعمار إلى العمل على أي شيء يروق لهن، لافتا إلى أن “الأمر يتطلب صبرا فقط”.