الامراضالصحة المستدامة

زراعة الخلايا الجذعية: علاج ثوري لمرض السكري من النوع 1

في تطور طبي غير مسبوق، تمكنت امرأة تبلغ من العمر 25 عامًا مصابة بمرض السكري من النوع 1 من إنتاج الأنسولين الخاص بها بعد أقل من ثلاثة أشهر من خضوعها لعملية زراعة خلايا جذعية. تعتبر هذه الحالة أول تجربة ناجحة لاستخدام خلايا مستخرجة من جسم المريضة نفسها في علاج السكري، مما يعزز الآمال في إمكانية تحقيق شفاء دائم من هذا المرض.

صرحت المريضة، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها وتعيش في مقاطعة تيانجين شمال الصين، خلال مقابلة مع مجلة نيتشر، أنها قادرة الآن على تناول السكر بحرية بعد إجراء العملية لها منذ أكثر من عام. هذا الإنجاز الطبي وصفه الدكتور جيمس شابيرو، جراح زراعة الأعضاء والباحث في جامعة ألبرتا بكندا، بالمذهل، مشيرًا إلى أن “الخلايا المزروعة عكست حالة السكري تمامًا لدى المريضة التي كانت بحاجة لكميات كبيرة من الأنسولين سابقًا”.

تجارب رائدة باستخدام الخلايا الجذعية لعلاج السكري

يُعد هذا العلاج من بين عدة تجارب رائدة تهدف إلى استخدام الخلايا الجذعية لعلاج مرض السكري، الذي يؤثر على حوالي نصف مليار شخص حول العالم. يعاني معظم هؤلاء من مرض السكري من النوع 2، حيث لا ينتج الجسم كمية كافية من الأنسولين أو يفقد القدرة على استخدامه بشكل فعال. أما في حالة مرض السكري من النوع 1، فإن الجهاز المناعي يهاجم خلايا الجزر في البنكرياس، وهي الخلايا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين.

استخدام الخلايا الجذعية كبديل للأعضاء المتبرع بها

بسبب النقص في عدد المتبرعين بالأعضاء، والتحديات المرتبطة باستخدام الأدوية المثبطة للمناعة لمنع رفض الجسم للأعضاء المزروعة، لجأت الأبحاث الحديثة إلى استخدام الخلايا الجذعية كحل مبتكر. تتيح هذه التقنية للعلماء إمكانية زراعة أنسجة جديدة من خلايا المريض نفسه، مما يقلل الحاجة إلى الأدوية المثبطة للمناعة ويوفر مصدرًا غير محدود لنسيج البنكرياس.

خطوات متقدمة نحو العلاج باستخدام الخلايا الجذعية

قاد الباحث دنغ هونغكوي، عالم الخلايا في جامعة بكين، فريقًا بحثيًا نجح في استخراج خلايا من ثلاثة مرضى بالسكري من النوع 1 وإعادتها إلى “حالة متعددة القدرات”، مما يسمح لها بالتحول إلى أي نوع من الخلايا في الجسم. استند الفريق إلى تقنية إعادة البرمجة التي طورها شينيا يامانكا في جامعة كيوتو قبل عقدين، ولكن مع تحسينات جديدة تمنح الباحثين مزيدًا من التحكم في العملية.

تم استخدام الخلايا الجذعية متعددة القدرات المستحثة كيميائيًا (iPS) لتكوين كتل ثلاثية الأبعاد، وتم اختبار سلامتها وفعاليتها في الفئران والرئيسيات غير البشرية. في يونيو 2023، خضعت المريضة لأول عملية من نوعها، حيث حقن الباحثون 1.5 مليون من “خلايا الجزر” في عضلات بطنها. هذا الموقع الجديد للزراعة أتاح للباحثين مراقبة الخلايا باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، وإمكانية إزالتها عند الضرورة.

نتائج واعدة ومزيد من التحديات

بعد شهرين ونصف من العملية، بدأت المريضة في إنتاج كمية كافية من الأنسولين، مما سمح لها بالتوقف عن استخدام الأنسولين الخارجي. وقد حافظت على هذا المستوى من الإنتاج لأكثر من عام. ومع ذلك، يشير الدكتور جاي سكايزر، أخصائي الغدد الصماء في جامعة ميامي، إلى الحاجة لتكرار هذه التجربة على مزيد من المرضى، ومراقبة مدى استمرار إنتاج الأنسولين لمدة تصل إلى خمس سنوات قبل اعتمادها كعلاج نهائي.

آفاق مستقبلية لعلاج السكري بالخلايا الجذعية

بالرغم من أن النتائج مشجعة، إلا أن الباحثين يشيرون إلى التحديات المتعلقة بتوسيع نطاق هذا العلاج وتجارته. تجارب أخرى قادتها شركة Vertex للأدوية في بوسطن أظهرت نتائج أولية واعدة، حيث تمكن عشرون مشاركًا مصابًا بالسكري من النوع 1 من إنتاج الأنسولين بعد تلقي خلايا جذعية جنينية تم التبرع بها وزراعتها في الكبد.

في العام الماضي، بدأت Vertex تجربة أخرى لزراعة خلايا الجزر داخل جهاز مصمم لحمايتها من هجمات الجهاز المناعي. كما يستعد باحثون في جامعة كيوتو اليابانية، بقيادة الدكتور دايسوكي يابي، لإجراء تجارب مماثلة باستخدام خلايا جذعية منتجة من خلايا iPS المتبرع بها.

خاتمة

تعد هذه الإنجازات خطوة كبيرة نحو إيجاد علاج دائم لمرض السكري، وقد تُحدث هذه الأبحاث تحولًا جذريًا في حياة ملايين المرضى حول العالم، لكن لا يزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث والاختبارات قبل تعميم هذه التقنيات.

زر الذهاب إلى الأعلى