الدمج والإعاقة

ذوو الإعاقة بمخيمات النزوح.. فئة منسيّة في غمرة الحرب.. وإيطاليا تمنح أسرة سورية حق اللجوء بسبب صورة

قالت منظمة الصحة العالمية والمنظمة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة، بحسب تقرير صدر عام 2020: “أن أعداد المُصابين بإعاقات جسدية ونفسية، جراء الحرب الدائرة فى سوريا تشتدّ وثمة حاجة مُلحة لتقديم الدعم والمساعدة لهم لكي يتمكنوا من الحياة بصورة مستقلّة وكريمة.

وأورد التقرير الأممي إن “هناك ثلاثين ألف مصاب كل شهر بسبب الحرب في سوريا، وإن الحرب خلّفت مليوناً ونصف المليون مصاب بإعاقة دائمة من أصل ثلاثة ملايين شخص أصيبوا منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من ست سنوات”.

وأوضح التقرير، أن ” 1.5 مليون شخص يعيشون مع إعاقات مستديمة، منهم 86 ألف شخص أفضت إصابتهم إلى بتر أطرافهم، مشيرة إلى أن الصراع الدائر هناك يحتدم باستخدام أسلحة متفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، واستمرار المخاطر المرتبطة بارتفاع مستوى التلوث بالمتفجرات ارتفاعاً كبيراً في جميع أنحاء البلاد، وتزايد عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى خدمات التأهيل، التي تقل يوماً بعد يوم”.

وبحسب فريق “منسقو استجابة سوريا”، يُقَدَّر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في مخيمات إدلب بـ 49 ألفاً و861 شخصاً يعيشون في بيئات غير صحية مع أخطار تلوّث عالية المستوى بسبب حفر الصرف الصحي المكشوفة.

كما وصلت نسبة ذوي الإعاقة في المفهوم الموسع للإعاقة في شمال غرب سوريا إلى 28% وعددهم 748.473 فرداً منهم 5.48%  من ذوي الإعاقات الشديدة وعددهم 146.486 فرداً.

أما في شمال سوريا فإن نسبة ذوي الإعاقة في المفهوم الموسع هي 19% وعددهم 289525 فرداً منهم نسبة 3.728% من ذوي الإعاقات الشديدة وعددهم 56.685 فرداً، وفق برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية في الأمم المتحدة 2021HNAP

ويُضاف إلى ذلك الحرمان من مصادر الدخل الأساسية والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط، مع غيابٍ للرعاية الصحية والأسس الوقائية اللازمة من فيروس كورونا، إلى جانب النقص الدائم في الغذاء والمياه وغياب أبسط الخدمات اليومية.

غياب لقاعدة البيانات

وتشكّل نسبة المخيمات العشوائية (المقامة ذاتياً) 89% من المخيمات الكلية، وفق قطاع المخيمات في الأمم المتحدة، كما لا تتوفر مؤسسات تعليمية أو مدارس خاصة بذوي الإعاقة أو مراكز تأهيل للأطفال ذوي الإعاقة في مناطق المخيمات أو قربها.

وتفتقد المخيمات لقاعدة بيانات لذوي الإعاقة بما يتعلق بالأسماء والعناوين ونوعية الإعاقة والوضع الاجتماعي والاقتصادي لهم وغير ذلك من المعلومات المطلوبة، حيث تعمل الدراسات الحالية على الإحصاء بطريقة أخذ عينات من المجتمع لمعرفة نسبة الإعاقة ضمنه، فكيف سيتم حل المشاكل المتعلقة بذوي الإعاقة إذا لم تتوفر الركيزة الأساسية للعمل وهي قاعدة المعلومات؟، كما إن هنالك ضعفاً في الاهتمام بذوي الإعاقة في المخيمات، بحسب الدكتور مأمون سيد عيسى، المدير الطبي لجمعية عطاء.

مراكز خدمية لذوي الاحتياجات الخاصة

وتوجد بعض المنظمات التي تعمل على مساعدة المعاقين، حيث تعمل منظمة “عطاء” على عدة مشاريع عديدة لخدمة ذوي الإعاقة في تركيا منها مركز أذيات الحبل الشوكي ودار الاستشفاء لإيواء المشلولين في الريحانية وهناك مركز للأطراف والعلاج الفيزيائي في إعزاز.

كما تعمل منظمة “سند” المختصة بذوي الاحتياجات الخاصة على تقديم خدمات في قطاع الحماية والتعليم والتمكين الاقتصادي، وتتخذ بلدة كفر تخاريم شمال غرب إدلب مركزاً لها في الداخل السوري، كما افتتحت مركزاً جديداً في كفريحمول شمال إدلب، القريبة من منطقة المخيمات في حر بنوش وكللي وحزانو لتقديم الخدمات اللازمة لذوي الإعاقة في المنطقة.

ويوجد مركزان لتعليم المكفوفين بطريقة برايل  في شمال غرب سوريا ، مركز لجمعية IHH بمدينة إعزاز ومركز جمعية رفع المستوى في مدينة إدلب ، بالإضافة إلى مراكز التأهيل لذوي الاعاقات الذهنية، (5) مراكز في محافظة ادلب ( مركز الرعاية الإنسانية في مدينة إدلب – مركز متلازمة داون في مدينة إدلب – مركز بشّر  الصابرين في مدينة إدلب – مركز سند في كفر تخاريم – مركز بسمة أمل في سلقين).

وخلال سنوات الحرب المستعرة كان الاهتمام بمصابي الحرب قياساً إلى الملفات الإنسانية الأخرى الأكثر إلحاحاً فيما يخص تهديد حياة المدنيين. ويعاني مئات الآلاف من مصابي الحرب، سواء من المقاتلين في قوات النظام أو الفصائل المسلحة المعارضة والمدنيين من الجانبين، من تردي الخدمات الصحية والاجتماعية، بحيث أصبح أصحاب الإعاقات عالة على أسرهم، ولا سيما أن الغالبية منهم فقراء أو نازحون. فالنظام العاجز عن تحمل تكاليف مواصلة العمليات العسكرية، يعجز عن تقديم دعم مالي وصحي مباشر للجرحى والمصابين، ويسعى لتعويض ذلك عبر زيادة فرص أسر القتلى والجرحى من القوات النظامية بالحصول على وظائف وفرص تعليم جامعي، وامتيازات أخرى كإقامة حفلات تكريم يتم خلالها منحهم هدايا «رمزية» ومبالغ مالية بخسة، في حين لا تُمنح الامتيازات ذاتها لأهالي الجرحى والقتلى من الميليشيات الرديفة كـ«جيش الدفاع الوطني» والذين تعاني أسرهم من الفقر، رغم زيادة حكومة النظام ميزانية الدعم الاجتماعي بمختلف أشكاله للعام الحالي نحو أربعمائة مليار ليرة سورية، ليبلغ إجمالي الدعم 750 ملياراً، أي بزيادة 15 في المائة للميزانية العامة للدولة البالغة نحو ستة مليارات دولار.

شهادات
نسرين (30 عاماً) من حمص اضطرت إلى العمل مستخدمة في مدرسة خاصة بدمشق، تقول: إن زوجها تعرض لإعاقة دائمة بسبب شظية أصابت ظهره، وتأخر في علاجها لأسباب تتعلق بسوء الرعاية الصحية في المشفى الذي أسعف إليه؛ ما افقده القدرة على الحركة. ولدى نسرين أربعة أطفال تقول إنها لتعيل أسرتها اضطرت للعمل مستخدمة؛ كونها لا تملك أي مؤهل علمي يتيح لها فرصة عمل أفضل. وتلفت إلى أن هناك جمعيات أهلية حاولت مساعدتهم بمبالغ مالية، لكنها لم تكن كافية لتأمين مستلزمات العلاج الطويل، ولا سيما العلاج الفيزيائي، فكل جلسة تكلف ما لا يقل عن أربعة آلاف ليرة سورية.

ونقلت تقاير صحفية على لسان “بلال” العامل في مركز “سند” لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة كفر تخاريم شمال غرب إدلب قوله، إن بيئة المخيم وأرضه مثلاً لشخص يمشي على كرسي متحرك غير مناسبة، وكذلك لشخص يستخدم العكاز تعتبر الأرض غير صالحة، ناهيك عن أن السكن في الخيم لا يقي حر الصيف ولا برد الشتاء وخاصة للأشخاص الذين لديهم مشاكل بالقدم، فالبرد يؤثر على صحتهم كثيراً.

وأضاف “بلال” الذي يعاني من شلل بقدميه، أن المرافق الصحية في المخيمات في غالبيتها لا تناسب الأشخاص ذوي الاعاقة، فهي مبنية على شكل كرفانات بعيدة عن الخيم، فكيف لشخص معاق على كرسي متحرك أن يصل إليها؟ وخصوصاً في الشتاء، وكذلك عامل الأمان الذي يقلق الأشخاص ذوي الأعاقة، كما إن وطأة الاحتياج المعيشية أصبحت أقوى على الأشخاص ذوي الإعاقة وخصوصاً إذا كان مُعيلاً أو فقد من يعيله فهو يجد صعوبة في تأمين احتياجاته واحتياجات أسرته سواء أكانت غذائية أو معيشية أو رعاية صحية وأدوية، وهذا يسبب لهم ضغطاً نفسياً مضاعفاً.

العزلة المجتمعية

 بدوره، ذكر ياسر هاشم المشرف على مشروع ذوي الإعاقة في جمعية “سنابل الأمل” بريف حلب الغربي، أن ذوي الإعاقة يعانون من حالة العزلة المجتمعية على كافة المستويات، بالإضافة إلى الظروف والأوضاع السيئة التي يعيشها مجتمع شمال غرب سوريا بالمجمل والأشخاص ذوي الإعاقة بشكل خاص، حيث يوجد بعض المنظمات التي تهتم بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة لكنها لا تفي بالغرض المطلوب ولا تلبي إلا القليل من متطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأشار “هاشم” الذي يعاني إعاقة أيضاً، إلى أنه يوجد بعض الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة لكنها جمعيات ومؤسسات تفتقر لأدنى مقومات الدعم المطلوب وغالبية خدماتها تعتمد على مبادرات مجتمعية متواضعة.

وأكد أن الخدمات تقتصر على أدوات مساعدة للحركة وبعض المستلزمات والأدوات الطبية، وفي بعض الأحيان تأمين سماعات للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية بالإضافة للكراسي المتحركة، لافتاً إلى أن الخدمات جداً متواضعة مقارنة مع حجم وأعداد الأشخاص ذوي الإعاقة بشمال غرب سوريا.

وأوضح “هاشم” أنه لا تتم مراعاة وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في المخيمات لا من حيث إمكانية الوصول ولا من حيث البيئة الفيزيائية المناسبة ولا من حيث المتطلبات والاحتياجات الضرورية لهم، ولكن في بعض الأحيان يتم مراعاة سهولة الوصول لدورات المياه (الحمامات).

البنى التحتية

من جانبه، أكد وائل أبو كويت المدير التنفيذي لمنظمة “سند” لذوي الاحتياجات الخاصة، غياب برامج خاصة لذوي الإعاقة من قبل المنظمات لمن يقطن في المخيمات سواء على مستوى البنى التحتية أو على مستوى الخدمات الأخرى ، فهناك عدد قليل من المنظمات الإنسانية التي تقدم خدمات لهم، حيث يوجد مراكز داخل سوريا تقدم الخدمات لذوي الاحتياجات الخاصة، ويوجد تعاون وتنسيق مع عدد من المنظمات ولكن للأسف لا توجد خارطة خدمات تخص ذوي الإعاقة لهذه اللحظة، كما إنه لا يوجد إحصاء كامل لذوي الإعاقة بالأسماء والحالات إنما إحصاء رقمي يعتبر غير دقيق، من خلال منظمات الأمم المتحدة وبعض الإحصائيات الجزئية التي تقوم بها بعض المنظمات.

كما لفت أبو كويت إلى ضرورة أن تكون الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة متكاملة، فلا يمكن أن تعطي المعاق حركياً كرسياً من دون أن تُمهد له الطريق ،ولا يمكن أن تركب له سماعة و لا يوجد طبيب نطق يُؤهله كي يتعامل مع السماعة ويتعلم النطق، فاحتياج ذوي الإعاقة الأساسي أن تقدّم لهم خدمات متكاملة.

تراجع النشاط الخيري

وفي هذا السياق، يتراجع نشاط الجمعيات الخيرية التي تعنى بالمصابين والجرحى من المعارضين والمدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، جراء شح التمويل، والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل وتعويضات الأطراف الصناعية، حيث يتجاوز تكاليف تركيب طرف صناعي بدائي 1500 دولار، في حين يبلغ تركيب طرف صناعي ذكي، ستين ألف دولار، وهي أرقام مرتفعة جداً قياساً إلى عدد المحتاجين إليها. وبحسب مصادر في المعارضة، فإن هناك العشرات من المراكز الصحية التي تأسّست في الشمال السوري للتخفيف من معاناة المصابين وتقديم المعالجة الفيزيائية، لكنها توقفت عن العمل أو تراجعت خدماتها بسبب توقف التمويل. إضافة إلى تردي القطاع الطبي عموماً في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة من حيث النقص الحاد في الكوادر المتخصصة والمستلزمات المتطورة مما يحرم بعض المصابين من الشفاء، بل إن كثيراً من الإصابات البسيطة تتفاقم وتتحول إلى إعاقة دائمة، كبتر الأطراف، أو حصول التشوهات خطرة وشلل وتعطل وظائف حيوية وإصابات دماغية.

وبحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن أقل من نصف المستشفيات والمرافق الصحية العامة في سوريا لا تزال تفتح أبوابها أمام المرضى، بَيْدَ أن أكثرها يفتقر إلى التجهيزات المناسبة لتقديم الرعاية إلى المرضى الذين يعانون من الإصابات، كما يوجد مركزان للتأهيل البدني (في دمشق وحمص) يوفران الأطراف الاصطناعية. ولفتت المنظمة إلى أن «القيود البالغة الشدة على إتاحة الرعاية الطبية»، تسببت في تحول الإصابات التي يعانى منها كثير من الناس إلى اعتلالات دائمة.

“مشقة الحياة” وحق اللجوء

وفي لفتة إنسانية رائعة ساهمت منظمة “سيينا” الدولية في حصول عائلة سورية على حق اللجوء إلى إيطاليا بعد أن ظهرت لرب الأسرة “منذر النزال” صورة حازت على جائزة دولية، برفقة عائلته. وظهر منذر النزال بساق واحدة يحمل طفله مصطفى المولود بدون أطراف سفلية أو علوية في صورة حازت على “جائزة العام” التي تنظمها منظمة “سيينا” الدولية للصور. وقادت المنظمة جهودًا لتحصل العائلة “المنكوبة” على حق اللجوء في إيطاليا، وفق تقارير صحفية.

والصورة بعنوان “مشقة الحياة”، التقطها المصور التركي محمد أصلان في الريحانية، في محافظة هاتاي التركية، على الحدود مع سوريا، وفازت بصورة العام لجوائز “سيينا” الدولية للصور لعام 2021.

واستقلت العائلة السورية والمكونة من الأب والأم ومصطفى وابنتين تبلغان من العمر سنة و أربع سنوات طائرة من أنقرة باتجاه إيطاليا.

كان “منذر” قد ساقه في الحرب السورية، فيما ولد طفله “مصطفي” بدون أطراف بسبب اضطراب خلقي ناجم عن الأدوية التي اضطرت والدته إلى تناولها بعد إصابتها بالغثيان بسبب غاز الأعصاب الذي النظام السوري.

وتصدرت الصورة العاطفية والصادمة عناوين الصحف في إيطاليا، وانتشرت على الصعيد الدولي على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع منظمي المسابقة إلى بدء حملة لجمع التبرعات لتمكين الأب وابنه من العلاج.

وتمنح إيطاليا اللجوء لأسباب إنسانية لكنها تشترط حصول اللاجئين على رعاية من منظمة محلية، لذلك فقد قررت المنظمة غير الربحية التي تنظم مهرجان التصوير الفوتوغرافي رعاية العائلة السورية.

ومن المقرر أن يجتمع مجموعة من خبراء الأطراف الاصطناعية في إيطاليا مع مصطفى ووالده في الأسابيع المقبلة لتصميم أطراف اصطناعية لهما.

زر الذهاب إلى الأعلى