الدمج والإعاقة

د. خالد عمارة: نحن لا نتوقف عن الجري لأننا نصاب بالعجز والشيخوخة.. بل نحن نصاب بالعجز والشيخوخة لأننا توقفنا عن الجري

بما ان مهنتي جراحة العظام وعلاج مشاكل العظام بخاصة في الأطفال والشباب.. وفي نفس الوقت أحب رياضة الجرى, واستمتع بالجري يوميا بعد صلاة الفجر..

فقد لفت نظري واستمتعت كثيراً بقراءة كتاب Born to run الكتاب أجاب على سؤال هام كان يشغل عقلي منذ زمن.

يتميز جسد الغزال بالسرعة الكبيرة, وجسد الصقر بالطيران, وجسد السمكة بالقدرة على السباحة, وجسد القرد بالقدرة على تسلق الأشجار, وجسد الفيل بالقوة… الخ فما هي الميزة التنافسية لجسد الإنسان؟ … ما ميزة أن يمشي الإنسان واقفا؟.. بدلاً من المشي أو الجري على أربعة؟

لماذا أقدام الإنسان لها قوس.. وليست مسطحة ؟

تنقسم الحيوانات إلى قسمين.. قسم يجري بسرعة.. وقسم بطيء يمشي !

يقول الكاتب أن الإنسان فيه مزايا كثيرة تمنحه القدرة على الجري البطيء لمسافات طويلة .. مزايا من النوعين.

الحيوان الذي يتحرك على أربعة .. لا يستطيع التحكم في التنفس.. لأنه مع كل فتحة لسيقانه الأمامية و الخلفية  يأخذ نفس.. ومع كل ضمة لسيقانه الأمامية والخلفية يخرج النفس! واحشائه تضرب في الحجاب الحاجز لإخراج النفس .

لكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يجري واقفا !!… مما يحمي صدره من صدمات الأحشاء أثناء الجري.. ويسمح بأخذ أكثر من نفس في أثناء  الخطوة الواحدة.. هذا التنفس يسمح بالاستمرار في الجري لمسافات طويلة.

الإنسان أنعم الله عليه بأجزاء غير موجودة في الحيوانات البطيئة! … مثل الاربطة المرنة في قوس القدم ووتر آخيل.. والرباط الذي يحافظ على استقرار الرأاس أثناء الجري.

ويقول الكاتب أن الإنسان على وجه الأرض منذ اثنين مليون سنة.. ويأكل اللحوم منذ اثنين مليون سنة.. لكن اختراع الرمح و السهم و أدوات الصيد ظهر منذ ٢٠٠ الف سنة فقط !! الأمر الذي يعني أن البشر عاشوا ملايين السنين يصطادون بدون أسلحة!.. كيف؟  عن طريق الجري مسافات طويلة بجوار الفريسة.. إلى أن تتعب وتسقط !!

لأن أسرع الكائنات.. وأغلب الكائنات تتعب وتسقط من التعب بعد الجري لمدة تتراوح بين بضعة دقائق في الكائنات السريعة… وثلاثة ساعات في الأبقار والجاموس و الغزلان والعجول والكائنات البطيئة  !!  بينما الإنسان يمكنه الجري لفترات أطول دون تعب.. مثل عداء  الماراثون!!

غلاف كتاب Born to run

ووجد الباحثون القبائل البدائية في جنوب أفريقيا تقوم بهذه الطريقة في الصيد حتى اليوم !  يجري مجموعة الصيادين بجوار قطيع الأبقار الوحشية.. حتى تتعب إحدى البقرات  بعد ساعتين إلى ثلاثة ساعات من الجري المتواصل.. وتسقط من التعب فيقتلوها وياكلوها!!

أغلب هذه الحيوانات لا تستطيع الاستمرار في الجري ليس فقط بسبب التعب .. لكن لأن جهاز التبريد لديها معتمد على التنفس المحدود !!.. بينما الإنسان له ميزة تنافسية أخرى… انه يعرق بغزارة.. يبرد حرارة جسده أثناء الجري الطويل عن طريق العرق .. وليس فقط تبريد الهواء في التنفس.

هذا الكتاب يوضح أن الميزة التنافسية لجسد الإنسان هي الجري البطيء لمسافات طويلة.. جري الماراثون!!

الإنسان خلقه الله ليجري مسافات طويلة !!

لذلك رياضة الجري مسافات طويلة والماراثون تستمر حتى في كبار السن فوق سن الستين.. عكس باقي الرياضات التي يعتزلها أبطالها في سن العشرين.. ويوجد ابطال ماراثون كثيرون  في سن الستين .. لانها مناسبة لطبيعة البشر.

لذلك يقول المؤلف.. “نحن لا نتوقف عن الجري لأننا نصاب بالعجز والشيخوخة.. بل نحن نصاب بالعجز والشيخوخة لأننا نتوقف أو توقفنا عن الجري”.

د. خالد عمارة

أستاذ جراحة العظام بكلية طب عين شمس

زر الذهاب إلى الأعلى