“حين تلتقي التقنية بالتمكين الأسري: مستقبل رعاية كبار السن في ضوء رؤية البروفيسور الطريقي”
'أصوات من ذهب'… دعوة لتمكين الأسر واحتضان خبرات كبار السن.

في جلسة حوارية نظمتها هيئة رعاية حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية تحت عنوان “أصوات من ذهب”، استهل البروفيسور محمد الطريقي، الحاصل على درجة الدكتوراة في هندسة تقويم الأعضاء والتأهيل وللحاصل على براءات اختراع امريكية واوروبية وسعودية في مجال تفنية التأهيل والحائز على جائزة التميز العلمي من جامعة الملك سعود ووسام الملك عبدالعزيزمن الدرجة الاولى لإبداعاته العلمية والتقنية الطبية والتأهيلية، كلمته بقوله: اتشرف بالمشاركة في الجلسة الحوارية “أصوات من ذهب” التي تنظّمها هيئة حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن واليوم العربي لكبار السن، والتي تحمل بين نبراتها حكاياتٍ ملهمة عن العطاء، والاستقلالية، وتحقيق الذات.

ومن هذا المنبر يسرني ان اتقدم بخالص الشكر وفائق التقدير لمعالي الدكتورة هلا بنت مزيد محمد التويجري رئيس الهيئة، ولسعادة عضو المجلس الدكتورة ضحى آل إبراهيم، وسعادة الأستاذة سوسن العيسى، والفريق المنظّم على هذا اللقاء المميز الذي يهدف الى ابراز قيمة كبارنا وخبراتهم التي تصنع درب الأجيال.
وفي مجال رعاية وتأهيل كبار السن تحدث البروفيسور الطريقي عن آخر التطورات الهندسية التكنولوجية الطبية والتاهيلية التي يمكن أن تسهل حياة كبار السن وتوفر لهم رعاية أفضل ، وكانت مداخلتة نوعية تناولت محورين جوهريين: دور التقنية الحديثة والأطراف الاصطناعية والاجهزة التعويضية وتقنيات التأهيل في تعزيز جودة الرعاية لكبار السن، والتحديات التي تواجه الأسر ومقدمي الرعاية المنزلية غير الرسميين في المملكة العربيةالسعودية.
التقنية كرافعة للكرامة والاستقلالية..
وبدأ البروفيسور محمد الطريقي حديثه في هذا المجال بالتأكيد على أن التطورات التقنية لم تعد ترفًا، بل ضرورة إنسانية في منظومة الرعاية التأهيلية. فقد أشار إلى أن الأجهزة القابلة للارتداء، والروبوتات المساعدة، وأنظمة التأهيل عن بُعد، باتت تتيح مراقبة دقيقة للمؤشرات الحيوية، وتقلل من مشقة التنقل، وتدعم استقلالية المسن في بيئته المنزلية.
كما تناول موضوع الأطراف الاصطناعية والاجهزة التعويضية الذكية التي تدمج الحساسات العصبية والشرائح الإلكترونية، لتقديم حركة دقيقة تحاكي الوظائف الطبيعية، مما يعيد للمسنين القدرة الحركية التي فقدوها، ويمنحهم شعورًا متجددًا بالسيطرة على حياتهم اليومية..
هذا ولم يغفل البروفيسور الطريقي الإشارة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد كأداة ثورية في خفض تكلفة الأطراف الاصطناعية والاجهزه التعويضية ، وتخصيصها حسب احتياجات كل فرد، مما يفتح الباب أمام حلول محلية منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة.
وفي إطار التكامل التقني، أكد على أهمية دمج التكنولوجيا في منظومة التأهيل، من خلال تطبيقات الواقع الافتراضي، والسجلات الصحية الإلكترونية، وأنظمة التغذية الراجعة الفورية، بما يعزز فعالية التدخل العلاجي ويُسهم في تحسين التواصل بين المريض والفريق الطبي.
نحو نموذج مجتمعي متكامل للرعاية..
وفي تطرقة للتحديات في هذا المجال، انتقل البروفيسور الطريقي إلى الحديث عن التحديات التي تواجه الأسر ومقدمي الرعاية المنزلية، مشددًا على ضرورة بناء نموذج خدمة متدرج، يبدأ من نقاط الوصول المجتمعية، مرورًا بمراكز التأهيل الإقليمية، وصولًا إلى مراكز التقييم العالي والتصنيع.
وقدّم تصورًا متكاملًا يشمل مراكز صحية مجتمعية وعيادات متنقلة، فرق تثقيفية، ومراكز متخصصة تقدم جلسات علاج طبيعي، تدريب على استخدام الاطراف والأجهزة، دعم نفسي، وصيانة دورية. كما اقترح إنشاء مركز وطني لتقييم الحالات المعقدة وتصميم الاطراف الأجهزة المخصصة، وإدارة سلسلة التوريد، بما يضمن استدامة الخدمة وجودتها.
كما اقترح الطريقي آليات تمويل تشمل الدعم الحكومي المباشر، الاشتراكات التأمينية، المنح والقروض منخفضة الفائدة، إلى جانب شراكات مع القطاع الخاص لتوفير الأجهزة والمسلزمات التأهيلية بأسعار مدعومة وفي متناول الجميع . كما عرض نماذج تكلفة ميسّرة مثل نظام الإعارة، التصنيع المحلي، وخيارات معيارية قابلة للترقية، مما يضمن وصول الأجهزة لمن يحتاجها دون عبء مالي كبير.
وشدد الطريقي على أهمية دمج التقنية الرقمية في مسار الرعاية، عبر سجل صحي إلكتروني موحّد، ومنصة إحالة واحدة تربط جميع المستويات، وتطبيق مرافقة المريض للتذكير بالأدوية، جلسات تمارين، وتواصل مباشر مع الفريق الطبي. كما أشار إلى أدوات قياس عن بُعد ترصد الحركة والسقوط وترسل إنذارات فورية، مما يعزز الأمان داخل المنزل.
كما أوصى البروفيسور محمد الطريقي بمسارات تدريبية متعددة تشمل تدريبًا أساسيًا لمقدمي الرعاية المجتمعيين، تدريبًا تقنيًا لفنيي الأجهزة، ودورات تخصصية لأخصائيي التأهيل. كما دعا إلى اعتماد نظام “Train-the-Trainer” لخلق شبكة مدربين إقليميين، وربط اجتياز الدورات بامتيازات وظيفية، بما يضمن جودة الخدمة وانتشارها.
واختتم البروفيسور الطريقي كلمته بتوصيتين مهمتين استراتيجيتين من خلال دعوة هيئة حقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية الى:
- 1. تبني تأسيس والاشراف على بيوت خبرة بمختلف التخصصات من الخبراء والعلماء من كبار السن كخبرات مرجعية، بما يضمن إشراكهم في صياغة السياسات وتقييم الخدمات، ويعزز من مكانتهم كمصدر للمعرفة والتجربة.
- 2. العمل من خلال الجهات المختصة على تمكين الأسرة لرعاية كبار السن، من خلال التدريب، الدعم النفسي، وتوفير المستلزمات التقنية اللازمة والدعم المالي واللوجستي، بما يحول الرعاية المنزلية من عبء إلى ممارسة إنسانية مستدامة.
في الختام، أكد البروفيسور الطريقي أن التقنية ليست بديلاً عن الرعاية الإنسانية، بل هي وسيلة لتعزيزها. فكل جهاز يُصمم، وكل تطبيق يُطوّر، يجب أن ينطلق من فهم عميق لاحتياجات المسن، وظروف أسرته، وطموحات المجتمع في بناء منظومة رعاية عادلة، مستدامة، وذات كفاءة عالية..
