البيئة والطاقة المستدامة

تحول جذري في نهر النيل قبل 4000 عام: دراسة جديدة تكشف التغيرات المناخية وأثرها على الحضارة المصرية

قبل نحو 4000 عام، شهد نهر النيل تغيرًا مفاجئًا وحادًا في سلوكه، حيث تحول من نهر بري مضطرب إلى نهر ذي ضفاف مستقرة، وذلك نتيجة لشيوع المناخ الجاف خلال تلك الفترة. هذا التحول أدى لاختفاء الغطاء النباتي وانتشار التصحر تدريجيًا في منطقة مستجمعات النهر، كما أصبح الفيضان السنوي أقل اتساعًا وعنفًا، مما سمح للطين الخصب بالاستقرار في السهول الفيضية، وفقًا لدراسة جديدة أجراها فريق دولي من علماء الجيولوجيا والآثار والمصريات، والتي تظهر كيف تطورت المناظر الطبيعية في وادي النيل حول منطقة الأقصر آنذاك.

قاد الدراسة الدكتور أنغوس غراهام، أستاذ علم الآثار والمصريات في جامعة أوبسالا السويدية، بالتعاون مع الدكتور حسني حسن غزالة، أستاذ الجيوفيزياء بجامعة المنصورة المصرية، وعدد من الباحثين المتخصصين في علوم الأرض والآثار والمصريات والحضارات القديمة والتغيرات المناخية والبيئية القديمة. وقد نُشرت نتائج الدراسة في دورية «نيتشر جيوساينس».

التغيرات في مجرى النيل

كشفت الدراسة طبيعة التغيرات الحادة لمجرى النيل وعلاقتها بتشكل الظواهر الطبيعية القديمة للوادي في منطقة طيبة (الأقصر حاليًا)، وربطت ذلك بالتغيرات المناخية والبيئية منذ نحو 4000 سنة، وأيضًا بالنشاط السكاني والزراعي والأماكن الأثرية مثل معبدي الأقصر والكرنك ومنطقة وادي الملوك.

عمليات الحفر والتحليل

نفذ باحثو الدراسة أكثر من 80 عملية حفر للتربة موزعة على عرض وادي النيل، وعمل الفريق البحثي في مواقع مختلفة في مصر منذ عام 2014 لإعادة بناء منظر النهر السابق وفحص الطبقات الرسوبية التي أسهم النهر في ترسيبها. أشار الدكتور أبو غزالة إلى أن الدراسة سعت لتقييم تطور مسارات النيل وعلاقتها بالتغيرات المناخية والبيئية التي أثرت على المناظر الطبيعية القديمة لوادي النيل خلال فترة الدراسة الممتدة لأكثر من 11500 سنة، بما في ذلك الفترات التي نشأت فيها حضارة مصر القديمة حول مدينة الأقصر.

العلاقة بالتغيرات المناخية

أوضح الباحثون أن تحديد المدى الزمني الدقيق لتلك التغيرات الحادة في مسار النهر جرى من خلال تطبيق طرق حديثة في تحديد عمر الترسبات النهرية، وإعداد قطاعات جيولوجية بعرض الوادي توضح نوعية وطبيعة وعمر هذه الرواسب، وعلاقتها بمسارات النهر ومدى ارتباطها بالتغيرات المناخية.

التأثير على الحضارة المصرية

قال الدكتور ويليام تونين من جامعة فريجي بأمستردام، إن دراسة السهول الفيضية الخصبة تظهر أنها لعبت دورًا مهمًا في صعود الاقتصاد الزراعي الإقليمي للمصريين القدماء، ومنحتنا نظرة ثاقبة حول مدى حساسية نهر النيل للتغيرات المناخية. أضاف تونين أن هذه الدراسة يمكن أن تساعد في الإجابة عن تساؤلات حول اختفاء آثار المنطقة وكيفية الحفاظ عليها، حيث كانت صالحة للسكنى في السابق.

وتساءل الباحثون عن دور التغير الكبير في المشهد العام في الثروة الهائلة للنخبة الطيبية، التي تجلت في مشاريع بناء ضخمة مثل معبد الكرنك والمقابر في وادي الملوك. كما أوضح أبو غزالة أن هذه التغيرات تضمنت فترات من الفيضانات الوفيرة التي أثرت على سريان مياه النيل وسرعتها، وكميات الرواسب ومعدلات الترسيب، مما انعكس في تكوين المصاطب النهرية شرق وغرب النيل الحالي.

الخطوات المستقبلية

أشار أبو غزالة إلى أن الفريق البحثي في مرحلة إعداد وتجهيز لمشروع بحثي جديد لتوسعة نطاق الدراسة الجيوبيئية والأثرية في مناطق شمال منطقة الأقصر، بهدف تغطية جزء كبير من جنوب مصر.

زر الذهاب إلى الأعلى