الدمج والإعاقة

تجربة فريدة لعلاج الإدمان.. زرع “منظم للمخ” في الدماغ للإقلاع عن المخدرات

يعرّف علم النفس الإدمان بأنه “سلوك مرضي مزمن يولد رغبة شديدة في ارتكاب فعل معين، أو تعاطي مادة معينة بشكل دائم مع الاستمرار فيه على الرغم من أضراره الجانبية، ويولد شعور بالراحة والاسترخاء لذا يصر المدمن على فعله للحصول على ذلك التأثير، ويصاحبه عجز تام عن التوقف عن فعل ذلك الشيء، وينتج عن ذلك التصرف في بعض الأنواع من الإدمان اعتماد جسدي نتيجة حدوث خلل في مراكز المخ واعتمادها على تلك المادة المسببة للإدمان وبالتالي المطالبة به بصفة مستمرة”.

“غرسات” في المخ

يُعد إدمان المخدرات أحد أشهر أنواع الإدمان، وينتج عن تعاطي الكحول والمواد المخدرة مثل (الحشيشة، الماريجوانا، الأفيون، الهيروين، المورفين، الترامادول، الكبتاجون، الشبو، وحبوب ليريكا وليرولين) بصفة مستمرة ولفترات طويلة ويحمل هذا النوع من الإدمان جانبي الإدمان السلوكي والجسدي نتيجة اعتماد مراكز المخ عليه والمطالبة بالحصول على تأثيره والذي يسببه من سعادة وانتشاء، الأمر الذي يعجز معه المتعاطي عن التوقف عن تعاطيها لتجنب أعراض الانسحاب الناتجة عنه.

ومؤخراً خضع مرضى يعانون من إدمان شديد على المواد الأفيونية لجراحة تتضمن زرع “غرسات في المخ” لمساعدتهم في التقليل من الرغبة الشديدة في تناول المواد المخدرة، في إطار تجربة هي الأولى من نوعها في الولايات المتحدة وفقاً لـ “بي بي سي”.

وخضع المواطن الامريكي “جيرود باكهولت”ر، 34 سنة، الذي عانى لسنوات مع الإدمان، لهذه الجراحة بعد عشر سنوات تعرض خلالها للعديد من الانتكاسات وتناول الجرعات الزائدة.

ووصف الدكتور علي رضائي، رئيس فريق الجراحة الذي أجرى العملية، هذه الأداة بأنها “منظم للمخ”، على غرار جهاز تنظيم ضربات القلب.

لكنه أكد أنها ليست تكنولوجيا للمستهلك، ولا ينبغي استخدامها “لتحسين أداء المخ البشري”.

وخضع باكهولتر لهذه الجراحة في مستشفى كلية الطب في جامعة ويست فرجينيا. ومن المقرر أن تُجرى نفس الجراحة لثلاثة متطوعين آخرين.

الإعداد لهذه الجراحة يبدأ بسلسلة من فحوصات مسح الدماغ، بعدها يبدأ الجراحون في ثقب الجمجمة لإدخال أنبوب كهربائي متناهي الصغر لا يتجاوز حجمه ملليمتر في منطقة محددة من المخ وتساعد المريض على التحكم في الدوافع مثل الإدمان والتحكم في الذات.

كما تُزرع بطارية تحت عظام الترقوة ثم يخضع نشاط المخ للمراقبة عن بعد على يد فريق من الأطباء البشريين، والنفسيين، وخبراء الإدمان لتحديد إذا ما كانت الرغبة في تناول المخدر تتراجع أم لا.

واعتمدت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ( FDA) “التحفيز العميق للدماغ” كطريقة لعلاج بعض الأمراض مثل الشلل الرعاش، والصرع، والوسواس القهري.

وأُجريت عمليات زراعة في المخ من هذا النوع لحوالي 180 ألف شخص على مستوى العالم.

لكن هذه هي المرة الأولى التي تُعتمد فيها هذه الطريقة العلاجية للتعامل مع حالات الإدمان، وكانت بالفعل تجربة معقدة تضمنت مشاركة عدد كبير من فرق العمل تتضمن علماء في الأخلاقيات، وأطباء نفسيين، علاوة على ممثلين لجهات تنظيمية.

وخلال العامين المقبلين، سيتم مراقبة المرضى عن كثب.

وقال رضائي لبي بي سي: “الإدمان ممارسة معقدة، إذ تنطوي على مجموعة من الديناميات الاجتماعية وعومل وراثية وأخرى تتعلق بالفروق الفردية، وبعض الأفراد سوف يفتقرون إلى القدرة على الوصول إلى العلاجات بحيث تتغير أدمغتهم ببطء وسيكون لديهم المزيد من الرغبة تجاه المخدر.”

وأضاف: “هذا العلاج مخصص لأولئك الذين فشلوا في أي علاج آخر، سواء كان ذلك دواء، أو علاج سلوكي، أو التدخل الاجتماعي. إنها تجربة صارمة للغاية تخضع لإشراف علماء في السلوك، وممثلين لجهات رسمية وغيرها من الأجهزة التنظيمية.”

وأشار إلى أن الإحصائيات ترجح أن تناول الجرعات الزائدة من المخدرات هو السبب الرئيسي للوفاة في الخمسينيات من العمر في الولايات المتحدة.

وقال رضائي “أكثر من نصف المرضى يتعرضون لانتكاسات. لذلك نريد حلولاً لأننا في موقف ينطوي على تهديد كبير يمتد خطره إلى الأسرة والمقربين”.

وتقدمت نيورالينك للحصول على تصريح لبدء تجارب على البشر في الولايات المتحدة تتضمن تركيب أقطاب كهربائية في المخ لدى من يعانون من الشلل.

كما تدعم شركة فيسبوك بحثاً يستهدف تطوير سماعة رأس يمكنها تنفيذ معالجة نصية (نسخ) أكثر من مئة كلمة في الدقيقة بمجرد تفكير الشخص فيما يريد أن يقول.

وأبدى رضائي شكوكا في أغراض شركات تكنولوجيا المستهلك من اقتحام هذه الدائرة البحثية.

وقال “أعتقد أنها جيدة جداً (التجربة) لمجال العلوم، ونحتاج إلى المزيد من الأبحاث للتقدم في هذا القطاع ومعرفة المزيد عن المخ. لكني أؤكد على أنها لا تستهدف تحسين أداء المخ البشري، فهي ليست تكنولوجيا استهلاكية.”

وأضاف: “عندما يتعلق الأمر بالتطبيق، يحتاج الأمر إلى قواعد صارمة. إنه أمر مختلف تماما عن الإصابة بنزلات البرد أو رسم الوشوم. فهذه الجراحة تنطوي على مخاطر كبيرة وليست تافهة. إنها (الجراحة) فقط لمن يعانون من أمراض مزمنة فشلوا في علاجها بشتى الطرق وليس لديهم أمل في الشفاء”.

زر الذهاب إلى الأعلى