الدمج والإعاقة

تأملات في التوحيد وبناء الإنسان: كلمة البروفيسور محمد بن حمود الطريقي في ديوانية القلم الذهبي

- الإنسان أولًا.. وذوو الإعاقة في قلب التنمية-

في لقاء فكري وطني رفيع المستوى، ألقى البروفيسور محمد بن حمود الطريقي، رئيس مجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، كلمة مؤثرة ضمن اللقاء الأسبوعي لـ ديوانية القلم الذهبي، بعنوان تأملات في التوحيد – الدولة السعودية الثالثة، بحضور نخبة من المثقفين ، حيث تناول فيها أبعاد التوحيد، ومشروع الدولة السعودية في بناء الإنسان، لا سيما ذوي الإعاقة، بوصفهم شركاء في التنمية.

الكلمة الكاملة:

“بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتوحد الصفوف وتثبت الأركان، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الحضور الكرام، حين نتأمل مسيرة التوحيد والدولة السعودية الثالثة، فإننا نقرأ فصلًا استثنائيًا في تاريخ هذه الأمة، فصلًا سطّره الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – بالثبات والعزيمة، وكان توحيد القلوب سبيله إلى توحيد الأرض، وإرساء دعائم دولته الحديثة التي اتخذ من العقيدة أساسًا لها، ومن الوحدة الوطنية نهجًا، ومن الإنسان محورًا وغاية للتنمية والبناء.

ولأن الإنسان كان غاية المؤسس التي جالد بالسيف من أجلها، ثم صالح من أجلها، فحتى أولئك الذين التقاهم في ميادين معارك التوحيد، كان إدخالهم في أكناف دولته غاية وهدفًا من أهداف مشروعه الإنساني الإسلامي الكبير، فلما أدركوا أن الرجل لم يرد إلا الإصلاح، ألقوا السيوف جميعًا، ومدوا إليه أياديهم بالسلام، وعقدوا الأيمان على الانضواء تحت لواء التوحيد، والنتيجة ما نعاينه اليوم من لحمة وطنية خلف القيادة، يتعجب منها العدو قبل الصديق.

وإذا كان الإنسان غاية عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود التي بذل عمره المبارك من أجلها، فقد كان لذوي الإعاقة، الشطر الأكبر من اهتمامه ورعايته طيب الله ثراه، فكانوا بالنسبة إليه فئة غالية على القلوب، ونظرت إليهم دولته بوصفهم شركاء وطن فاعلين، وركيزة أساسية في مشروع التنمية المستدامة الكبير الذي أطلقه المؤسس، ثم لم تتوقف عجلته إلى اليوم عن الدوران.

وقد تجلى اهتمام المؤسس وخلفائه ملوك دولته من بعده بذوي الإعاقة في خطوات استراتيجية واضحة، جاء في مقدمتها:

  • تقنين الحقوق: من خلال صدور أنظمة وتشريعات تنظم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم، والعمل، والحياة الاجتماعية، بما يضمن مساواتهم وعدم التمييز ضدهم.
  • التأهيل والتمكين: تطوير مراكز متخصصة للتأهيل المهني والعلاجي والنفسي، لتزويدهم بالمهارات اللازمة للاندماج الفاعل في المجتمع وسوق العمل.
  • برامج الدمج الشامل: مثل مبادرات توظيف ذوي الإعاقة في القطاعين العام والخاص، وبرامج التعليم المتكامل داخل المدارس والجامعات، بما يحقق المشاركة المجتمعية الكاملة.
  • الهيئات المتخصصة: ولضمان استدامة تفعيل حقوق ذوي الإعاقة أسست الدولة هيئات متخصصة تقوم على شؤونهم وتضمن حقوقهم: كالهيئة العامة لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تعمل على تنسيق الجهود، ووضع السياسات الوطنية، وضمان تقديم الخدمات النوعية بما يتوافق مع المعايير العالمية.

هذه الجهود، التي تستند إلى رؤية استراتيجية واضحة، تؤكد أن المملكة لا تنظر للأشخاص ذوي الإعاقة كمستفيدين فقط، بل كشركاء حقيقيين في البناء والتنمية، وأن كل إنجاز وطني لا يكتمل إلا بمشاركتهم الفاعلة ومساهمتهم المستمرة.

أيها الأحبة، إن التوحيد الذي ننعم بثماره اليوم ليس مجرد وحدة جغرافية، بل هو وحدة هوية، ووحدة غاية ومصير. ومن هنا تأتي أهمية دور الأديب والإعلامي والفنان والمثقف في التعبير عن الوطن: بالكلمة الصادقة، بالصورة الملهمة، وبالفعل المبدع الذي يترجم قيم الوحدة والانتماء إلى سلوك حضاري يرسخ في وجدان الأجيال.

ختامًا، إن ذكرى التوحيد تدعونا جميعًا لمزيد من الولاء والعطاء، وتضع على عاتقنا مسؤولية أن نكون شركاء فاعلين في صون مكتسبات هذا الوطن العظيم، وخدمة إنسانه، ورعاية كل فئاته بلا استثناء، ليبقى وطننا شامخًا، ملهمًا، ورائدًا بين الأمم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.”

 

إن كلمة البروفيسور محمد بن حمود الطريقي لم تكن مجرد سرد تاريخي أو توصيف اجتماعي، بل كانت دعوة واعية إلى استحضار جوهر المشروع السعودي الذي تأسس على التوحيد، وتجلّى في بناء الإنسان، ورعاية فئاته كافة، وعلى رأسهم ذوو الإعاقة.

لقد وضع الطريقي أمام المجتمع مسؤولية مضاعفة: أن يستمر هذا النهج الإنساني في السياسات الوطنية، وأن تُترجم هذه الرؤية إلى مبادرات أكثر شمولًا واستدامة، تُعزز من مكانة الإنسان السعودي، وتُرسّخ قيم التمكين والمشاركة والعدالة.

وفي ظل التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، فإن هذا الخطاب يذكّرنا بأن التنمية لا تُقاس فقط بالمشاريع والبنى التحتية، بل بما يُبنى في الإنسان من كرامة، وما يُمنح له من فرص، وما يُرسّخ فيه من انتماء.

إنها لحظة تأمل في التوحيد، وفي الإنسان، وفي الوطن الذي لا يكتمل إلا بجميع أبنائه.

زر الذهاب إلى الأعلى