علوم وتكنولوجيا

بأقلام سعودية ومصرية ومغربية.. كتاب “تداعيات الجائحة”.. يتناول رؤى تحليلية ونقدية لتداعيات جائحة كورونا

صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الإسكندرية كتاب “تداعيات الجائحة”, هو عمل جماعي شارك فى تحريره باحثون من مصر والسعودية والمغرب الكتاب يرصد ويحلل ويختبر مجموعة من الأفكار والمفاهيم بعد التداعيات التي ترتبت على اجتياح وباء كورونا دول العالم، وأدى إلى شلل أصاب جوانب مختلفة من الحياة في كل مكان.

لماذا تداعيات الجائحة؟

حرصاً من مركز الدراسات الاستراتيجية بمكتبة الاسكندرية على رصد وتحليل مشاهد مختلفة لتداعيات كورونا الذي أطل على العالم بثقله فى عام 2020, جاءت فكرة هذا الملف المخصص لإلقاء الضوء بنظرة عامة على الجائحة وتداعياتها  بشكل دولي وإقليمي ومحلي, مع تقديم رؤية استشرافية لمآلات الوضع الراهن.

جاءت الإشكاليات التى يحاول هذا الملف رصدها وطرحها للنقاش لتكون بمثابة نظرة عامة على تداعيات الجائحة بداية من مفهوم العولمة وتطبيقه ومصيره في ظل هذه الجائحة, مروراً بالوضع الدولي وما صاحب ذلك من تراشق وتبادل للاتهامات بين الدول الكبرى حول المتسبب في هذه الأزمة وتفشيها. ونظرة أكثر عمقاً للوضع الإقليمي والمحلي ودراسات تحليلية لحالات محددة لبلدان بعينها. وختاماً بمحاولات جادة لتوقع القادم والاستعداد له.

منطقة الخليج واقع متغير وتحديات جديدة

ناقش الباحث السعودي الدكتور عبد العزيز بن عثمان بن صقر -رئيس مركز الخليج للأبحاث، ورئيس تحرير مجلّة “آراء حول الخليج- ” في دراسته المعنونه بـ “منطقة الخليج وتداعيات جائحة كورونا… واقع متغير وتحديات جديدة” تأثير كورونا على دول مجلس التعاون الخليجي، والخطوات العديدة التي اتخذت من جانبها، وتضمنت قرارات عاجلة لمواجهة الجائحة وتبعاتها، ورصد ميزانيات خاصة، وتعزيز بنود مالية في الموازنات العامة، ودعم القطاعات الصحية لحماية المواطنين والمقيمين بها.

سجل د. بن صقر ما كشفته الجائحة من أضرار للعمالة غير النظامية, والقرار السعودي بتحمل تكلفة علاج الحالات المصابة من بينها. كما قارن بين عبء هذه العمالة غير المنتظمة وتلك النظامية, وهي وجهة نظر عرضها الكاتب بدرجة كبيرة من الموضوعية. ناقش بن صقر أيضاً دروس الجائحة الأخرى من ضرورة تعديل التركيبة السكانية, وتقليل الاعتماد على العمالة الخارجية, وضرورة الاهتمام الجاد بالتعليم وتطويره وتطوير المنظومة الصحية, وتنويع مصادر الدخل بما كشفته من أزمة سوق النفط, وضرورة الاهتمام بالأمن الغذائي والبحث العلمي.

وشدد بن صقر على ضرورة التعامل مع التعليم وفق رؤية جديدة تعتمد على تطوير المناهج وتحديثها بما يناسب احتياجات العصر، واعتماد تقنيات التعليم عن بُعد وتحديث بنية الاتصالات الرقمية وفقاً لأساليب تضمن توصيل المعلومة والتفاعل بين الطالب والمؤسسة التعليمية.

ودعا بن صقر إلى تطوير المنظومات الصحية الحالية في دول مجلس التعاون الخليجي، وتفعيل شراكة حقيقية بين القطاعين الطبي الحكومي، والخاص وتطوير الخدمات الصحية المقدَّمة للمرضى، كما أشار إلى أهمية تنويع مصادر الدخل في دول المجلس، وحتمية توسيع القاعدة الاقتصادية، خاصة في ضوء تقلبات أسواق الطاقة، وتراجع أسعار النفط والغاز في الآونة الأخيرة، وأشار إلى أن دول المجلس أدركت ذلك منذ سنوات، لذا أخذت الخطط الخليجية الوطنية للتنمية على عاتقها توسيع القاعدة الاقتصادية، وقد وضعت رؤية 2030 في السعودية برامج محددة وواضحة للتعامل مع جميع مجالات التنمية المستدامة لتنويع الاقتصاد الوطني قبل جائحة كورونا بفترة ليست قصيرة تحسباً للمتغيرات الاقتصادية العالمية وانعكاسها.

وتحدث بن صقر عن ضرورة الاهتمام بما يسمى الأمن الغذائي، وتنمية الصناعات الدوائية والأجهزة الطبية التي قطعت دول مجلس التعاون الخليجي شوطاً في توطين بعضها مع التعامل مع البحث العلمي باعتباره ضرورة وليس مجرد رفاهية، كما نبه على ضرورة تحديث البنية التحتية لقطاع الاتصالات والرقمنة بما يوفر نموذجاً حديثاً للاتصالات والاستفادة منه في التعليم والعمل عن بُعد.

بأقلام سعودية ومصرية ومغربية.. كتاب "تداعيات الجائحة".. يتناول رؤى تحليلية ونقدية لتداعيات جائحة كورونا
بأقلام سعودية ومصرية ومغربية.. كتاب “تداعيات الجائحة”.. يتناول رؤى تحليلية ونقدية لتداعيات جائحة كورونا

شراكة المعاناة

الباحثة المصرية الدكتورة مي مجيب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ناقشت في وراقتها والمعنونة بـ”ارتدادات العولمة… عالم جديد تحكمه” تساؤلات حول ما إذا كانت الجائحة تمثل بداية لتقليص العولمة أو إنهائها، وقالت “إن العولمة لا ترتبط جوهريّاً في حقيقتها بالمفهوم في حد ذاته، قدر ارتباطها بنتائجه من حيث الكم والكيف وسرعة الأداء؛ حيث إن نهاية الحرب الباردة، وظهور شبكة الإنترنت، وسهولة السفر، ويسر عقد الصفقات التجارية، وبزوغ نجم الاقتصاديات الناشئة، إلى جانب التقدم التكنولوجي الهائل، أسهم جميعه في ربط أجزاء الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق، إلا أن أزمة الجائحة كشفت عن اختلالات كبيرة في نظم الحوكمة الصحية والاقتصادية والسياسية في كثير من دول العالم”.

تغير أولويات الانفاق

وأكدت الدكتورة مي أن “اقتصاديات الدول بعد كورونا سوف تتعافى بدرجات متفاوتة تحددها القدرة على التجاوب مع احتياجات المرحلة، وستتغير أولويات الإنفاق والاستثمار، ونظرة الأفراد لنظم حياتية اعتادوا عليها، وهنا تثور مجموعة من التساؤلات ترتبط بمصير ما أنجزته البشرية في إطار تداخلها، وربما تكاملها الاقتصادي، في العقود الثلاثة الماضية”.

وذكرت الباحثة المصرية أن المستجدات التي فرضتها الجائحة، تطرح تساؤلات جديدة تتعلق بنوع النظم السياسية وجدواها في التعامل مع الأزمة، ولفتت إلى أن استخدام الذكاء الصناعي لمتابعة مدى التزام المواطنين بالحجر الصحي، واستدعاء الجيوش في الديمقراطيات الراسخة، لدعم الطواقم الصحية وبناء المستشفيات والمراكز الصحية، وتحويل وجهتها من الدفاع عن حدود الدول الخارجية إلى حماية جبهتها الداخلية، وتطبيق قرارات حظر التجول وملاحقة المخالفين، والقيام بعمليات التطهير في الشوارع والأماكن العامة، أتت، جميعها، ضمن ملامح لأدوار جديدة سوف تشهدها الدول، على اختلاف أنواعها، مع انحسار النيوليبرالية والتوجهات الرأسمالية.

وعلى صعيد البيانات والمقارنات ناقشت ورقة الباحثة المصرية ريهام صلاح الدين بيرم بمعهد سراج الدين للبحوث المتقدمة بمكتبة الاسكندرية, فى مقالها “المسار المحتمل لجائجة كورونا: دراسات حالة لمصر والمغرب والسعودية”, وكشفت عن أهمية موارد الدولة الاقتصادية والمنظومة الصحية, واستندت إلى عدة دراسات إحصائية خلصت إلى توقع انخفاض الحالات بشرط تطبيق الإجراءات الاحترازية.

 استمرار تنافس القوى الكبرى على النفوذ الدولي

أما الدلالة الأخطر للجائحة، حسب رأي الباحثة المصرية، فتتمثل في أن استمرار تنافس القوى الكبرى على النفوذ الدولي سوف يهدد بتقويض قدرة النظام المعولم على تطوير آليات للتعافي من أزماته الأكثر خطورة، وقد بدا ذلك جليّاً في العجز عن تطوير جهد عالمي منسق لتطوير علاجات لمواجهة الفيروس، ومحدودية الاستعداد الدولي لتقديم الدعم اللازم لمواجهة بؤر انتشار المرض، وهذا ما يهدد بالارتداد إلى أوهام انعزالية تفتح الطريق أمام صراع عالمي غير منضبط.

التداعيات الجيو-اقتصادية

أما الباحث محمد العربي بمركز الدراسات الاستراتيجية, فقد طرح فى بحثه: “كيف نقرأ التداعيات الجيو-اقتصادية لوباء كورونا على الشرق الأوسط؟” أسئلة كثيرة حول التداعيات الاقتصادية للأزمة والتى مازالت مستمرة إلى الآن, مما يجعل الجزم بإجابات تلك الأسئلة أمراً صعباً ويحتاج لمزيد من الوقت والدراسات على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي.

مستقبل الهجرة الدولية

أما الباحثة المغربية إكرام عدنني، فقد ناقشت في دراستها “أزمة كورونا وتأثيرها على مستقبل الهجرة الدولية” قضية تأثير الجائحة على ظاهرة الهجرة الدولية، وأشارت إلى استمرار الظاهرة رغم تراجعها نسبيّاً، واستعرضت المخاطر التي يتعرض لها المهاجرون لكونهم أو أغلبهم يعملون في مهن يدوية تحتم عليهم الوجود في مواقع العمل، وكذا في إنهاء وظائف يعملون بها، كما ناقشت عدنني الأعباء الاقتصادية للدول الفقيرة بسبب عودة بعض المهاجرين ولكونها غير مؤهلة للتعامل مع مثل هذه التحديات.

مسارات للتقارب

أما الباحثة بمركز الدراسات الاستراتيجية سوزان عابد قدمت عرضاً بانوراميّاً حول “جائحة كورونا… رؤى جديدة ومسارات للتقارب”، رصدت خلاله التحولات العديدة نحو كثير من الأنشطة الرقمية التي عرفها العالم، مستهلة ذلك بأنشطة كثير من المتاحف البريطانية والأميركية والألمانية وغيرها، فضلا عن بعض المؤسسات غير الهادفة للربح، التي أدارت حلقات نقاشية أتاحتها مجاناً، ورصدت عابد عددا من المبادرات الخاصة التي تم إطلاقها عن طريق برنامج” “زووم”، وحرصت خلال العرض على توضيح مراحل التفاعل من حالة السكون والجمود التي أصابت هذه المؤسسات في البداية إلى مرحلة من النشاط الرقمي الغزير، إضافة للجهود الأكثر وعياً وتمرساً للتعامل مع الجمهور.

بين المؤامرة والتعاون الدولي

وركز الدكتور محمود عزت عبد الحافظ، في بحثه “تفشي فيروس كورونا… بين المؤامرة والتعاون الدولي” على مسألة المؤامرة والتعاون الدولي، والتي شكلت أحد المحاور الرئيسية بعد ظهور الجائحة، وشغلت الكواليس والرأي العام منذ الأسابيع الأولى للأزمة، وتخلّف عنها تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية فاقت كل التوقعات، وسببت حالة من الارتباك لجميع الحكومات إزاء التعامل مع هذا النوع من الأزمات.

عالم ما بعد الـ”كورونا”

أما الباحثة شرين جابر بمركز الدراسات الاستراتيجية فقد اختتمت الملف برؤية استشرافية عن “عالم ما بعد الـ”كورونا”… رؤية استشرافية”, منطلقة من ان “عالم ما بعد كورونا” لن يكون كما كان من قبل. وحددت عدة أبعاد, استهلتها بالقول بدور جديد للدولة القومية؛ لتفتح نقاشاً ذهنياً لدى القارئ حول مفهوم الدولة القومية, وهل ستحل “العولمة” و”الحوكمة” محل الدولة القومية, أو ستكون “الدولة القومية” هي الوحدة الرئيسية في العالم.

وقد ناقشت الباحثة فى رؤيتها الاستشرافية للعالم بعد الجائحة تغيير بنية النظام الدولي, وسيناريوهات صعود قوة الصين, وتحديد أنماط تقييم قوة الدولة, وتعزيز دور الرعاية الصحية في هذا التقييم, وتزايد انتباه الرأي العام إلى هذا العنصر وإدراك أهميته على المستوى الدولي.

فى الختام يقدم هذا الملف كثيراً من الاجتهادات؛ لسبر غور ظاهرة بالغة الأهمية وحدث فريد ما زلنا نعيش أبعاده, خاصة مع ما ظهر مؤخراً من عودة تفشي المرض في بعض الدول التى كانت قد بدأت تخفيف الإجراءات. ما يعني ان فصول هذه الأزمة مازالت مستمرة, وأن هناك حاجة لمزيد من الجهود لرصد آثارها وما سيؤول إليه عالمنا. وربما ما يجب ان نتذكره ان هذه الجائحة وتداعياتها ذكرت البشرية بأهمية التواضع وصعوبة القطع واليقين بشأن المستقبل.

زر الذهاب إلى الأعلى