علوم وتكنولوجيا

المنطقة المعتمة.. التاريخ السري للحرب السيبرانية

مع هيمنة الهجمات السيبرانية على أخبار الصفحات الأولى، وانضمام قراصنة الحاسوب إلى قائمة التهديدات العالمية، وتحذير كبار الجنرالات من الحرب السيبرانية المقبلة، يقدم الكاتب الصحافي فرد كابلان – الحائز جائزة “بوليتزر” – في كتابه “المنطقة المعتمة .. التاريخ السري للحرب السيبرانية” تاريخا تنويريا مناسبا.

يسبر كابلان الأروقة الداخلية لوكالة الأمن القومي، والوحدات فائقة السرية في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وفرق “وسائل حرب المعلومات” في الأفرع العسكرية، والمساجلات السياسية في البيت الأبيض، من أجل سرد هذه القصة – التي لم تذكر من قبل – عن الضباط والمسؤولين والعلماء والجواسيس الذين استنبطوا هذا النمط الجديد من الحرب، والذين كانوا يخططون لهذه الحروب طوال عقود، وفي كثير من الأحيان كان الناس يعرفون أن هؤلاء هم الذين يشنونها.

إنها قصة تمتد عبر نصف قرن، منذ اختراع الإنترنت – حينما حذر أحد رواد مجال الحاسبات من أن شبكات المعلومات تخلق نقاط ضعف وثغرات أمنية جديدة للجيش والمجتمع – إلى عناوين الأخبار اليوم. منذ التوجيه الرئاسي الذي لا يعرف عنه سوى القليل، والذي وقعه الرئيس رونالد ريغان (التوجيه الذي أطلق العنان لمعركة ما زالت قائمة بين الأمن والخصوصية)، إلى الرشقات الافتتاحية في حرب الخليج في العام 1991 (إذ أدت السيبرانية دورا لم يعلن عنه من قبل)، إلى الأبعاد السيبرانية للصراعات في هاييتي، وصربيا، وسورية، وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، والعراق، وإيران، يروي كتاب “المنطقة المعتمة” تفاصيل مذهلة عن ماض غير معروف يشع على مستقبلنا ضوءا مثيرا للقلق.

الحرب السيبرانية.. ما هو السايبر؟

كلمة “سايبر” تعني “تخيلي” أو “افتراضي”، والسايبر هي كلمة يجري استخدامها لوصف الفضاء الذي يضمّ الشبكات العنكبوتية المحوسبة، ومنظومات الاتصال والمعلومات وأنظمة التحكّم عن بعد. وتختلف استخدامات السايبر وأشكاله من دولة إلى أخرى تبعاً لأولويات هذه الدول، فمنها الأمني والسياسي والاستخباراتي والمدني والمهني والمعلوماتي. وقد عرّف “قاموس أوكسفورد الإنكليزي” الحرب السيبرية بأنّها: “استخدام تقنيات الحاسوب لتخريب نشاطات دولة أو منظمة، وخاصة الهجمات المحضّرة على منظومات المعلومات الخاصة، وذلك لغايات إستراتيجية أو عسكرية”. أمّا موقع تكوبيديا Techopedia فقد عرّفها بأنّها: “كل هجوم افتراضي يجري بدوافع سياسية على أجهزة العدو الإلكترونية وشبكات الإنترنت وأنظمة المعلومات الخاصة به، لتعطيل منظوماته المالية وأنظمته الإدارية، وذلك من خلال سرقة قواعد معلوماته السريّة أو تعديلها لتقويض الشبكات العنكبوتية والمواقع ونظام الخدمات”.

عمليات الحرب السيبرانية

– التخريب:

قد تتعرّض حواسيب الأنظمة العسكرية والمالية لخطر التخريب بهدف تعطيل عملياتها الطبيعية وتجهيزاتها.

  • التجسس:

تُستخدم طرقٌ غير شرعية لتعطيل عمل الشبكات العنكبوتية وحواسيبها، وأنظمتها بهدف سرقة معلومات سريّة من مؤسسات الخصم أو الأفراد ونقلها إلى الصديق السياسي، أو العسكري أو المالي.

يرى بعض المراقبين أنّ الحروب الإلكترونية أو الحرب السيبرانية، هي حرب بكل ما للكلمة من معنى، ويعرّفها الدكتور بول روزنفياغ، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، في بحث له عن قانونية هذه الحرب نُشر في العام 2012 بأنّها: “حربٌ ذكية أقوى من أي هجوم بري أو جوي، وأكثر ذكاءً وأقل تكلفة، فهي لا تحتاج إلى معدات حربية ولا جنود، لكنّها تحتاج إلى قدرات علمية عالية”. وهو يعتبر أنّ “حرب السايبر هي تطوّر طبيعي في مفهوم الحروب، نقلتها إلى جيل جديد يعتمد على التحكّم والسيطرة عن بعد”. وأشار إلى أنّ لحرب السايبر تأثيراً عالمياً مدمراً، إذ قد تؤدي إلى تدمير بنية تحتية لدولة ما، بما في ذلك سدودها المائية ومفاعلاتها النووية.

مخاوف العالم من الحروب السيبرانية

كلما كانت الدول متقدمة وتعتمد على الانترنت، والخدمات الإلكترونية في مؤسساتها العظمى، كلما ازدادت مخاوفها من الحروب السيبرانية. “ومع التصاعد المستمر وتطور أدوات البرمجيات والتكنولوجيا الحديثة، كانت خطورة انتشار الهجوم السيبراني أسرع وأقوى وأكثر تدميراً من التفجير الذري، حيث باستطاعته تدمير أنظمة الإلكترونيات، ومحطَّات ضخ المياه، والهواتف، ومحطات الإذاعة والتلفزة، وتوقيف الاتصالات، وانهيار الأنظمة المالية”، هذا ما ذكره تقرير أعدّته لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان البريطاني.

أهداف الحروب السيبرانية

تستهدف الحرب السيبرانية بنى تحتية أساسية للدول، لكنها ليست البنى المادية بالفعل، بل البنى التحتية للمعلوماتية، مثل قطاعات عسكرية وخدمية وحكومية واقتصادية ومصرفية، كما تستهدف تغيير البيئة الثقافية والفكرية للخصم وغيرها. كما أنّ هجمات الفضاء الإلكتروني غير محدّدة المجال، وغامضة الأهداف، كونها تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات العابرة  للحدود الدولية، إضافة إلى اعتمادها على أسلحة إلكترونية جديدة تلائم طبيعة السياق التكنولوجي لعصر المعلومات، حيث يتمّ توجيهها ضد المنشآت الحيوية، أو دسّها عن طريق عملاء لأجهزة الاستخبارات. إذن، تبدو هذه الحروب فعالةً جداً، بل ومدمّرةً على مستوياتٍ عديدة، ربما تفوق مستويات الدول ذاتها، ذلك أنّ تزايد ارتباط العالم بالفضاء الإلكتروني، اتسع معه خطر تعرّض البنية التحتية الكونية للمعلومات لهجمات إلكترونية، وخصوصاً مع تراجع دور الدولة في ظل العولمة وانسحابها من بعض القطاعات الإستراتيجية لمصلحة القطاع الخاص. وفي الوقت عينه، تصاعدت أدوار الشركات متعدّدة الجنسيات، خاصة العاملة في مجال التكنولوجيا.

الكتاب: المنطقة المعتمة.. التاريخ السري للحرب السيبرانية

الناشر: سلسلة عالم المعرفة

العدد: 470

تأليف:  فرد كابلان

ترجمة:  لؤي عبدالمجيد السيد

زر الذهاب إلى الأعلى