آراء

الممارسات المبنية على الأدلة من أجل استدامة نتائج علاج ذوي التوحد

يُعتبر التوحد جزءًا من مجموعة واسعة من الاضطرابات المعروفة باسم “اضطرابات طيف التوحد” (ASD)، والتي تتفاوت في شدتها وأعراضها. يعاني الأفراد المصابون بالتوحد من تحديات في التواصل والتفاعل الاجتماعي وفهم المشاعر، مما قد يؤثر على قدراتهم في بناء العلاقات والتكيف مع البيئة المحيطة. تتباين أعراض التوحد بشكل كبير، حيث يمكن أن تشمل صعوبات في التواصل، سلوكيات متكررة، واهتمامات محدودة. وعلى الرغم من أن أسباب التوحد لا تزال غير مفهومة بالكامل، تشير الأبحاث إلى دور العوامل الوراثية والبيئية في تطوره.

إن هذا الاضطراب هو أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمع اليوم، مما يستدعي البحث المستمر عن استراتيجيات فعّالة لتحسين حياة الأفراد المشخصين بالتوحد. تلعب الممارسات المبنية على البراهين العلمية دورًا حاسمًا في تقديم أساليب علاجية وتدخلات تعتمد على الأدلة والدراسات البحثية. تركز هذه الممارسات على استخدام أساليب مثبتة علميًا تهدف إلى تعزيز المهارات الاجتماعية والتواصلية، وتقليل السلوكيات غير المرغوب فيها.

ماذا نقصد بالممارسات المبنية على الأدلة؟ Evidence Based Practices  ( EBPs)

الممارسة القائمة على الأدلة هي إجراء تعليمي/تدخل أو مجموعة من الإجراءات التي قدم فيها الباحثون مستوى مقبولاً من البحث الذي يُظهر أن هذه الممارسة تعطي نتائج إيجابية للأطفال والشباب و/أو البالغين ذوي بالتوحد. وبالتالي فإن التدخل يُعتبر ممارسة قائمة على الأدلة عندما يكون هناك دليل علمي يدعمها. هي إذاً مجموعة من الممارسات التي لها دليل واضح على الآثار الإيجابية على الأطفال والشباب ذوي بالتوحد. ويمكن استخدام EBPs في جميع الأماكن بما في ذلك المنزل والعيادة وجلسات العلاج الأخرى وفي المدارس كذلك. وهذا يستلزم تقييماً صادقاً حول قدرة المتدخلين على تنفيذ هذه التدخلات بدقة بعد تدريبهم وتمكينهم من هذه الممارسات.

ومن المهم تحديد الممارسات القائمة على الأدلة ، لأن أي تدخلات أو ممارسات سيكون لها تأثير بشكل كبير على حياة ذوي التوحد على المدى الطويل، لذلك فإن التدخل المبكر وبفعالية بطرق مثبتة علميا يمكن أن يُحدث فرقا كبيراً في حياة الفرد في المجالات الأكاديمية والمعرفية والاجتماعية والسلوكية.

لذلك عندما يتم تمكين المعلمين ومقدمي الرعاية والممارسين الذين يقدمون الخدمات لذوي التوحد وتدريبهم على الممارسات المبنية على البراهين العلمية سيصبح بإمكانهم اختيار العلاجات التي من المحتمل أن يكون لها تأثير إيجابي في حياة الفرد.

ما هي هذه الممارسات القائمة على الأدلة التي تم تحديدها لذوي بالتوحد ؟

أصدر مركز تبادل المعلومات الوطني حول أدلة وممارسات التوحد (NCAEP) (2020)  تقريره الجديد الخاص بالممارسات المبنية على الأدلة EBPs للأطفال والشباب والبالغين ذوي التوحد. يستعرض هذا التقرير الجديد الأدبيات المنشورة من 1990-2017 ويحدد 28 ممارسة مبنية على الأدلة لذوي التوحد،  نذكر من بينها: التدخلات القائمة على السوابق، التواصل المعزز البديل، التعليم والتدخل القائم بواسطة الأقران، التدخل بالزخم السلوكي، الاستراتيجيات التعليمية السلوكية المعرفية، التعزيز، التلقين، التعزيز التفاضلي، التدخل الذي ينفذه الوالدان، مقاطعة الاستجابة/إعادة التوجيه، التدريب على التواصل الوظيفي، تحليل المهام، الإطفاء، القصص الاجتماعية، الإدارة الذاتية، التواصل المعزز البديل، وغيرها من الممارسات التي يبلغ عددها 28 ممارسة، كما أسلفنا، قائمة على الأدلة والبراهين العلمية.

تحديات يمكن أن تواجه تطبيق الممارسات المبنية على البراهين العلمية للتوحد:

من بين التحديات التي قد تواجه تطبيق الممارسات المبنية على البراهين نجد:

  • نقص في عدد المتخصصين: قد يكون هناك نقص في عدد المتخصصين والمراكز التي تقدم هذه الخدمات. مما يستدعي ضرورة زيادة عددهم وزيادة عدد المراكز المتخصصة.
  • التكلفة المالية: العديد من هذه العلاجات والبرامج تكون مكلفة بالنسبة للأسر، مما قد يجعل الوصول إليها صعبًا. مما يستدعي الحاجة إلى توفير نظام تمويل كاف لتغطية تكاليف هذه الخدمات.
  • استمرارية البرامج والتتبع: مجموعة من الأسر تواجه صعوبات في الالتزام بالبرامج العلاجية على المدى الطويل الذي يحتاج إلى الصبر والنفس الطويل. وهذا يستدعي توفير الدعم النفسي للأسر والتوجيه المستمر من أجل ضمان الاستمرارية.
  • اِلْتِقائية المتدخلين: غالبا ما نجد تحديات في التواصل والتنسيق بين المتخصصين والعائلات والمدارس والمتدخلين ككل في مجال تأهيل ذوي التوحد. مما يستدعي ضرورة إيجاد آلية لتحسين التواصل والتنسيق بين جميع الجهات المعنية من أجل استدامة نتائج التأهيل لهذه الفئة.

وبما أن تعميم التغطية الصحية وتوفير خدمات الرعاية الصحية لكل من يحتاج إليها دون معاناة مالية من أهداف التنمية المستدامة، فإن التغلب على هذه التحديات يُعتبر ضرورياً من أجل استدامة التدخلات ونتائج العلاجات بهدف دمج اجتماعي على المدى المتوسط والبعيد، وهذا لن يتأتى إلا بواسطة تضافر الجهود من قبل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتوفير الموارد والدعم اللازمين لتطبيق هذه الممارسات بفعالية، إضافة إلى توفير الأطر المؤهلة لتنزيل هذه الممارسات وتدريب الأسر ودعمها من أجل الانخراط في تطبيق الخطط التربوية التأهيلية.

 

المراجع

Sam, A.M., Cox, A., Savage, M.N., Waters, V., & Odom, S.L. (2019). Disseminating Information on Evidence-Based Practices for Children and Youth with Autism Spectrum Disorder: AFIRM. Journal of Autism and Developmental Disorders, 50, 1931 – 1940

https://autismpdc.fpg.unc.edu/evidence-based-practices

 

الأخصائية مينة القالي

الأخصائية مينة القالي

الأمين العام لمجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل

  • أخصائي نفسي صحي إكلينيكي
  • محلل سلوك دولي IBA
  • مشرف توحد سلوكي معتمد QASP-S
  • مستشار التحرير بموقع منصة عالِم التنمية المستدامة
  • استشاري توحد واضطرابات نمائية والتدخل ب ABA بدار الاستشارات

زر الذهاب إلى الأعلى