المخدرات أولها دلع.. وآخرها ولع!
يُقال، على سبيل الاعتراف، في أوساط المدمنين الشباب، إن “المخدرات أولها دلع.. وآخرها ولع”!
ولا تقف مشكلة المخدرات عند آثارها المباشرة على المدمنين وأسرهم فحسب، وإنما تمتد تداعياتها إلى المجتمعات والدول، فهي تكلف الحكومات أكثر من 120 مليار دولار، وترتبط بها جرائم كثيرة وجزء من حوادث المرور، كما تلحق أضرارا بالغة باقتصاديات العديد من الدول مثل تخفيض الإنتاج وهدر أوقات العمل، وخسارة في القوى العاملة سببها المدمنون أنفسهم والمشتغلون بتجارة المخدرات وإنتاجها، وضحايا لا علاقة لهم مباشرة بالمخدرات، وانحسار الرقعة الزراعية المخصصة للغذاء وتراجع التنمية وتحقيق الاحتياجات الأساسية.
وتُظهر تقارير الأمم المتحدة والجهات الرسمية أن انتشار المخدرات يغطي العالم كله، فقد سجل انتشاره في 170 بلدا وإقليما: الكوكايين في القارة الأمريكية، والحشيش والأفيون والمنشطات في آسيا وأوروبا. ويُزرع الحشيش ويُنتج في أفغانستان وباكستان وميانمار “بورما”، وبكميات أقل بكثير في لبنان المغرب وتركيا، فيما يُزرع الكوكايين ويُنتج في أمريكا اللاتينية، وبخاصة في كولومبيا. وتُقدّر المضبوطات من المخدرات بـ 20 – 30% فقط من الكميات التي تُوزع في الأسواق، وهذا مؤشر دال على عدم نجاعة الجهود الأمنية مكافحة المخدرات وحدها، في محاصرة هذه الظاهرة الخطيرة.
لا تقف مشكلة المخدرات عند آثارها المباشرة على المدمنين وأسرهم فحسب، وإنما تمتد تداعياتها إلى المجتمعات والدول، فهي تكلف الحكومات أكثر من 120 مليار دولار
وتتداخل المخدرات مع جرائم أخرى، كالعصابات المنظمة التي يمتد عملها إلى الدعارة والسرقة والسطو والخطف وغسل الأموال، والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية المشروعة، فيتسلل تجار المخدرات إلى المؤسسات الاقتصادية والسياسية ومواقع السلطة والنفوذ والتأثير على الانتخابات، كما استفادت تجارة المخدرات كثيرا من الشبكة الدولية للمعلومات “الإنترنت”.
ولقد أثبتت التجربة العملية أن المعالجة الأمنية وحدها لقضية المخدرات غير مجدية، ذلك أن تاريخ المخدرات يوضح أن تعاطيها هو تجربة بشرية قديمة، ويرتبط في كثير من الأحيان بثقافة الناس والمجتمعات والعادات والتقاليد. وكما أن تعاطي المخدرات وإنتاجها وتسويقها منظومة أو شبكة من العلاقات والظروف والعرض والطلب فإن علاج المشكلة يجب أن يتم بطريقة شبكية تستهدف المجتمعات والتجارة والعرض والطلب، فيبدأ العلاج بتخفيف الطلب على المخدرات بالتوعية ومعالجة أسباب الإدمان الاقتصادية والاجتماعية، ففي بعض المناطق والأقاليم تعتمد حياة الناس على المخدرات ويستحيل القضاء على إنتاجها إلا بإقامة مشاريع تنموية واقتصادية بديلة.
وهناك عوامل كثيرة تستدرج الشباب إلى الإدمان، منها التفكك الأسري وفشل التعليم والفقر والبطالة والبيئة المحيطة من الأصدقاء والحي والمدارس والجامعات، ويستخدم مروجو المخدرات غطاء اقتصاديا شرعيا وأنشطة اجتماعية وسياسية تحميهم من الملاحقة، فيحتاج العلاج إلى إدارة وإرادة سياسية وأمنية واعية للأبعاد المتعددة للمشكلة وقادرة على حماية المجتمع من تسلل عصابات المخدرات إلى مراكز النفوذ والتأثير والحيلولة بينها وبين محاولاتها لغسل أموال المخدرات.
هناك عوامل كثيرة تستدرج الشباب إلى الإدمان، منها التفكك الأسري وفشل التعليم والفقر والبطالة والبيئة المحيطة من الأصدقاء والحي والمدارس والجامعات
ومازالت مؤسسات علاج المدمنين في الدول العربية والإسلامية قاصرة عن تلبية احتياجات جميع المرضى كما يعتور عملها كثير من العقبات والمشكلات، فهي مازالت ينظر إليها على أنها جزء من مصحات الأمراض العقلية. ويحتاج العلاج إلى فترة زمنية طويلة وتكاليف باهظة لا يقدر عليها معظم الناس ولا توفرها معظم الحكومات.
ومشكلة المخدرات واحدة من أكبر المشكلات التي تعانيها المجتمعات كافة، وتسعى جاهدة لمحاربتها؛ لما لها من أضرار جسيمة على المناحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. ولم تعد هذه المشكلة قاصرة على نوع واحد من المخدرات، أو على بلد معين، أو طبقة محددة من المجتمع، بل شملت جميع الأنواع والبلدان والطبقات الاجتماعية، كما ظهرت مؤخرا مركبات عديدة جديدة لها تأثير واضح على الجهاز العصبي والدماغ.
ويُعد إدمان المخدرات مشكلة صحية بدنية ونفسية، فضلا عن كونه مشكلة اقتصادية، إذ أن دخول المخدر للجسم، بعيداً عن الإشراف الطبي، يؤثر على مختلف أجهزة الجسم، من حيث القوة والنشاط والكفاءة الوظيفية، كما يسبب بعض الإدمان. ويؤثر الإدمان على الوظائف العقلية للفرد من حيث الإدراك والتذكر والتصور والتخيل والانتباه والتركيز والإرادة وسلامة التفكير بوجه عام، كما يؤثر على الجانب الانفعالي للشخصية من حيث الرضا والسرور والنشوة والاكتئاب.
وبالنسبة للعلاقات الاجتماعية للمدمن فهى تصل إلى الصفر، إذ لا تكون له أى علاقة إلا بالمخدر وتجاره و”الشلة” التى يتعاطى فى وسطها. كما ينعكس التأثير الضار من الناحية البدنية والنفسية على عملية الإنتاج والنشاط الاقتصادى، إذ لا يستطيع المدمن إذا كان يعمل فى المجال الإنتاجي ممارسة وظائفه على الوجه الأكمل، يُضاف إلى ذلك تدهور مستوى طموح المدمن، وإمكانات الخلق والابتكار لديه.
كشفت إحدى الدراسات عن أن المدمن وبخاصة لو كان فنياً لا يستقر فى مهنة واحدة، كما أنه كثير التعطل عن العمل ومستواه المهني يتدهور تدريجياً، ويترتب على كل ذلك انخفاض أجره بما ينعكس على حياته وأسرته، بما هو سئ. وفى السنوات الأخيرة بدأت تنتشر موجة الإدمان بين الشباب، ولا سيما بين الطلبة.
من القاع إلى القمة
رحلة علاج الإدمان من المخدرات تبدأ من القاع للقمة، وقبل أن تبدأ هذه الرحلة يجب على المريض أن يكون مُستعد نفسياً للدخول فيها ومُدرك تماماً لكل جوانبها، وبالتالي يجب أن يكون على دراية بكل العقبات التي قد تواجهه، من أجل أن يتخطى هذه العقبات بشكل سهل.
وإذا كان المدمن شخصًا عنيدًا ولا يرغب في العلاج، إذاً عليك ببعض المهام التى تقوم بها من أجل إقناعه بالعلاج الصحيح لاسترداد حياته الطبيعية، وحتى يتغلب على ذلك الإدمان.
لإنجاز أي مهمة لا بد من العزيمة والإرادة القوية، لذلك تعتبر الإرادة أول ما يجب أن يتحلى به المدمن للتخلص من الإدمان، ولا بد أن يكون العلاج تحت إشراف طبي متخصص يحدد الحالة وطريقة ومكان العلاج.
ومن أجل تقديم المساعدة لشخص مدمن بشكل صحيح، يجب أن تواجه الحقيقة مع وجود الحكمة وبعض من العبارات التحفيزية له.
وبالنسبة لإدمان المخدرات والعقاقير المخدرة فإن المرحلة الأصعب هي المرحلة المعروفة باسم الانسحاب الكيميائي، وعادة ما يضع الأطباء برنامجاً مدروساً لتخفيف آثار الانسحاب الكيميائي قدر الممكن، حيث يسبب الانسحاب الكيميائي للمادة المخدرة من الجسم آلاماً قوية ومشاعر سلبية.
وأما عن دور الأهل والأصدقاء فيجب عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم في دعم المريض نفسياً لتقوية إرادته وعزيمته حتى يتعافى، ولن ينتهي دور الأهل بعد إقلاع المدمن، فخطر الانتكاس موجود دائماً.
أما عن فترة العلاج من الإدمان، فذلك يعود إلى مرحلة الإدمان وطبيعة المادة التي يدمن عليها المريض، لكن على العموم يحتاج الإقلاع عن المواد المخدرة لفترة طويلة نسبياً حتى يصل المدمن إلى بر الأمان، ويبقى خطر الانتكاس قائماً على الدوام.
الوقاية من الإدمان
لا جدال أن تعريف الأطفال بمخاطر الإدمان، يعتبر خطوة فعالة في حمايتهم من الإدمان مستقبلاً. ولا بد أن يكون هذا التعريف بعيداً عن الصور النمطية ومعززاً بالشرح والمعلومات المثبتة. كما يجب تعزيز قدرة الأطفال والمراهقين على مواجهة مشاكلهم بشجاعة يحميهم من اللجوء إلى الإدمان للهروب من الواقع.
ومن الأهمية بمكان تنمية الوازع الأخلاقي والديني عند الأطفال والمراهقين الأمر الذي يساهم بصورة مباشرة في الابتعاد عن العادات السيئة التي تسبب أضراراً لهم ولمجتمعهم والتي تعتبر مرفوضة دينياً.
كما يجب ان نضع فى الاعتبار ان محاربة البطالة أمراً مهماً في التصدي للإدمان، وذلك لا يكون فقط على مستوى الحكومات، بل على الأهل أيضاً أن يعطوا أبناءهم الخبرات والعلوم اللازمة لدخول سوق العمل.
منع الانتكاس
تُعد مرحلة المتابعة بعد الانتهاء من مراحل العلاج هي النقطة الأكثر أهمية في طرق علاج الإدمان، لأنها المفتاح الحقيقي للاستمرار في التعافي من إدمان المخدرات.
ومن خلال هذه المرحلة يتم إجراء الاستشارات النفسية وجلسات الدعم النفسي، والنفسية يعد دعم المدمن أحد أهم مراحل الدعم، والذي يجب أن يحدث بعد توقف المدمن عن تعاطي المخدرات، ومصدر هذا الدعم هو أساسًا من العائلة والأصدقاء.