الدمج والإعاقة

القمع الانفعالي

في العصر الحالي يعيش الفرد في مجتمع ينتشر فيه الكثير من المشكلات والضغوطات النفسية والاجتماعية مما يشعره بعدم الاتزان النفسي وهذه الانفعالات السلبية الناتجة عن المشكلات والضغوطات اذا تم كبحها بصورة ارادية  وبشكل متكرر ولم يتم تجاوزها وحلها  يفقد الفرد السيطرة والتحكم بانفعالاته بالتالي تمهد الى حدوث  اضطرابات نفسية وامراض جسدية على المدى البعيد وهذا ما يسمى بالقمع الانفعالي ،ان مشاعر الانسان لا نستطيع ملاحظتها مباشرةً الا اننا يمكن ان نعرفها من تصرفات الفرد الظاهرة لنا ومن خلال افصاحه عنها، فيعد التعبير الجسمي عن الانفعال بشكل عام مهم في ارتباطنا بجميع من يحيطون بنا لان الناس يتصرفون معنا في ضوء رد فعلنا الظاهر لهم ومع وجود التعبير الجسمي الظاهر للعيان هناك استجابات او نشاط فسيولوجية داخل جسم الانسان والتي يتم عن طريقها التعرف على الحالة الانفعالية للشخص ولا يستطيع الفرد التحكم بها ومن التغيرات الفسيولوجية المصاحبة للانفعالات (عملية الهضم تقوم بوظيفتها ببطء ـ سيلان الدم يتجه صوب الدماغ ـ القلب تزداد سرعة دقاته ـ الكبد يطلق كمية من السكر المطلوب للطاقة ـ التنفس تزداد سرعته ـ انتصاب الشعرـ  ازدياد العرق ـ اتساع حدقة العين ).

إن قمع الفرد لانفعالاته لا يتعبر دائماً تصرف سلبي فاحيانا هناك مواقف يتطلب من الفرد كبح انفعاله حتى يتجنب عواقب رد فعله السلبي فهذا الامر ربما يساعد الانسان على المحافظة على علاقاته مع الاخرين بدل ان يخسرها اذا قام بالتعبير عنها فكبح الانفعال هنا يؤدي ربما عدم اخفائها الى عواقب وخيمة لم تكن في الحسبان ، هذا ويمكن القول أن القمع يختلف باختلاف عمر الانسان فالكبار البالغين لديهم قدرة اكبر على قمع الانفعال من الصغار والمراهقين فالبالغين لديهم إمكانية اكبر على قمع انفعالهم والتحكم بها  بالاضافة انهم يستطيعون الرجوع بسرعة الى الحالة الطبيعية بعد ان يكونوا قد مروا بموقف جعلهم في حالة سيئة، يتم عن طريق القمع الانفعالي السيطرة على المشاعر السلبية وذلك من خلال تنظيم الخبرات الانفعالية ومن الممكن ان يعطي القمع الانفعالي للفرد شعورا بالراحة لوقت قصير من الانفعالات السلبية  غير المرغوب فيها فهو يعطي الفرد إحساس بانه على ما يرام لفترة قصيرة ولكن في حالة استخدام القمع الانفعالي كاستراتيجية بصورة مستمرة لتنظيم الانفعال يشكل اثر خطير على الناحية الصحية للإنسان على المدى البعيد فمثلا القمع المزمن للغضب له علاقة مع ضغط الدم المرتفع وامراض الشرايين القلبية وقد يكون له علاقة أيضا بالاصابة بالسرطان وتطوره و الى نتائج مميتة في اغلب المرات بسبب التغير الذي يحصل في التركيب النسيجي للجهاز القلبي كما يمر الافراد المعرضون للقمع المفرط بحالة من القلق الزائد ويكونون عرضة للإصابة بالاكتئاب والتعب  بالتالي فهذا يوضح ان توجه الفرد الى تنظيم انفعالاته من خلال استخدام استراتيجية  القمع له عواقب وخيمة في الصحة الجسدية والنفسية.

وتشير الدراسات عن وجود علاقة قوية بين كبح الانفعال الشديد كالغضب على سبيل المثال والعدوانية وارتفاع  ضغط الدم غير معروف السبب لتصل في نهاية الامر الى حقيقة لا يمكن تجاهلها والتي هي علاقة القمع بنمو الأورام السرطانية  وتوصلت الدراسات والبحوث ايضا الى ان كبح الانفعال يزيد من الفعالية لنظام القلب والاوعية الدموية وتغير يحصل في التركيب النسيجي للجهاز القلبي بالتالي يؤدي الى نتائج مميتة.

هذا بالإضافة الى الاثار النفسية لكبح الانفعالي على مختلف الأصعدة لتتضمن العقلية والاجتماعية للإنسان فمحاولة الفرد على الدوام كتمان او تقليل افشاء التعبير الانفعالي عند التعرض لموقف يتطلب الاستجابة لها انفعاليا تترك اثر في حياة الافراد القامعين لاستجاباتهم والذين غالباً مايعانون في وقت لاحق من مشكلات اجتماعية كتجنب تكوين علاقات وقلة الدعم وتواصل الاخرين معهم وتكوين صداقات غير ملائمة في اغلب الأحيان بالإضافة الى التخلي وضعف العلاقات في حياتهم، ومن الاستراتيجيات التي ينصح باستخدامها لتقليل تأثير القمع الانفعالي على الفرد في مختلف الأصعدة هو قيام الفرد بكتابة هذه المواقف الضاغطة والتحدث عنها وعن العواطف المرفقة معها والبكاء الانفعالي  وتشير الدراسات في هذا الجانب ان الفرد  في حالة مصادفته لاضطرابات وضغوط نفسية ولم يقوم بافصاح والتعبير عنها فسوف تكون لها نتائج سلبية ويتعرض لامراض سايكوسوماتية اكثر من غيره من الافراد الذين يقومون بالافصاح عنها، من المهم أن يضع الفرد الأولوية لصحته النفسية والجسدية قبل كل شي فهما اعز ما يملكه واذا فقدهما يصعب الرجوع الى الحالة الطبيعية مرة أخرى لكن ليس على حساب الحاق الأذى بالاخرين وديننا الحنيف اكيد حول هذه المسألة في  الاية  (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) وبقول خير خلق الله  محمد عليه افضل الصلاة والسلام عندما قال ( ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ).

وفاء ال سعدون

ماجستير علم النفس التربوي

استاذة جامعية – جامعة جيهان دهوك

عضو ومستشارة نفسية لدى مجلس العالم الاسلامي للاعاقة والتأهيل

( دهوك – العراق )

زر الذهاب إلى الأعلى