التوحد من زاوية جديدة: علماء يكتشفون مفتاحًا عصبيًا جديدًا لفهم التوحد
"منطقة صغيرة في الدماغ... وتأثير هائل على سلوكيات التوحد"

تبرز علوم الأعصاب كأحد أكثر مجالات البحث قدرة على كشف أسرار السلوك البشري. دراسة حديثة لا تكتفي بتفسير جانب من اضطراب طيف التوحد، بل تُظهر كيف يمكن لفهم دقيق لمنطقة صغيرة في الدماغ أن يفتح آفاقًا جديدة للعلاج والدعم. في هذه الدراسة المثيرة للفضول والتي نُشرت في مجلة Science Advances، كشف باحثون من جامعة ستانفورد عن دور غير متوقع لمنطقة صغيرة في الدماغ تُعرف باسم “النواة الشبكية للمهاد” في ظهور السلوكيات المرتبطة باضطراب طيف التوحد.
ما هي النواة الشبكية للمهاد؟
تخيل أن دماغك يحتوي على بوابة تنظم تدفق المعلومات الحسية، وتتحكم في الانتباه والنوم وحتى النوبات. هذه البوابة تُسمى النواة الشبكية للمهاد (RT)، وهي تعمل كمصفاة عصبية تمنع أو تسمح بمرور الإشارات بين المهاد والقشرة الدماغية.
التوحد من زاوية جديدة: ماذا يحدث داخل النواة الشبكية للمهاد؟
باستخدام نموذج فأر معدل وراثيًا، لاحظ العلماء أن هذه الفئران أظهرت سلوكيات مشابهة للتوحد: فرط في النشاط، سلوكيات تكرارية، ضعف في التفاعل الاجتماعي، وزيادة في قابلية الإصابة بالنوبات.
لكن المفاجأة كانت في النشاط العصبي داخل النواة الشبكية للمهاد فقد أظهرت هذه المنطقة فرطًا في الاستثارة، أي أنها كانت تطلق إشارات عصبية بشكل مفرط وغير منظم، مما أدى إلى اضطراب في التوازن العصبي داخل الدماغ.
هل يمكن تهدئة هذه المنطقة؟ نعم! استخدم الباحثون أدوية ومقاربة وراثية لتقليل نشاط النواة الشبكية للمهاد ، ونجحوا في تحسين السلوكيات لدى الفئران. هذا يعني أن تهدئة “بوابة الدماغ” قد تكون خطوة واعدة نحو فهم وعلاج بعض مظاهر التوحد.
أهمية هذا؟
لأن التوحد لا يرتبط فقط بالجينات أو السلوك، بل أيضًا بكيفية عمل الخلايا العصبية داخل الدماغ. وهذه الدراسة تفتح الباب أمام استهداف مناطق محددة في الدماغ لتحسين جودة الحياة لدى المصابين بالتوحد.
الدراسة تُظهر أن فرط الاستثارة في النواة الشبكية للمهاد يمثل آلية مركزية في اضطرابات طيف التوحد، ويؤثر على النشاط العصبي والسلوكيات المرتبطة بالتوحد في نموذج الفأر كما تبرز النواة الشبكية للمهاد كهدف علاجي واعد يمكن استهدافه دوائيًا أو وراثيًا لتحسين الأعراض السلوكية المرتبطة بالتوحد.
العلوم العصبية و آفاق الأمل
إن التقدم في تقنيات التصوير العصبي، والهندسة الوراثية، والتسجيلات الكهربية، يمنحنا اليوم أدوات غير مسبوقة لفهم ما كان يومًا غامضًا. فكل اكتشاف في هذا المجال لا يُضيء فقط طريق الباحثين، بل يزرع الأمل في قلوب الأسر، ويقربنا من بناء تدخلات أكثر دقة وإنسانية.
علوم الأعصاب لا تكتشف فقط، بل تُعيد رسم العلاقة بين الدماغ والسلوك، بين الجين والبيئة، وبين الأمل والتحسن. ومع كل دراسة جديدة، نقترب من تحويل التوحد من تحدٍ عصبي إلى حالة يمكن فهمها، دعمها، والتعامل معها بذكاء علمي ورحمة إنسانية.
المرجع:
https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.adw4682