الاهتمام الخليجي بلغة “برايل”.. مبادرات وإبداعات وابتكارات
من خلال السطور التالية سنتعرف على أهم الاهتمامات العربية والخليجية بلغة برايل، كما سنتعرف على كيف تفاعل المبتكرون الخليجيون مع لغة برايل من خلال ابتكار العديد من الأجهزة التي تسِّهل تواصل المكفوفين مع المجتمع والمعرفة.
ويحسب لدول الخليج اهتمامها بكل ما يصب في مصلحة المكفوفين، خاصة ما تصدره لهذه الفئة من مبادرات وابتكارات في “لغة برايل”، تسهم في تبسيط ارتباطهم بالمجتمع والتواصل ونيل احتياجاتهم، ويبرز الشباب الخليجيون من خلال ابتكاراتهم في مجال لغة برايل، حتى نالت ابتكارات بعضهم اهتمامًا عالميًا لما فيها من منافع للمكفوفين، وفقًا لـ”لخليج أون لاين”.
منذ أكثر من 200 عام نشأت لغة خاصة للمكفوفين وطوّرت لعدة لغات، ليتمكّنوا من خلالها من قراءة المعلومات، بحروف بارزة مميزة أتقنوا بها رؤية العالم، هذه اللغة أنشأها العالم الفرنسي لويس برايل ما بين 1809 و1852.
الفرنسي برايل فقد بصره بسبب تعرّضه لحادث في مرحلة الطفولة، ما جعله يسعى إلى اختراع لغة في الأبجدية الفرنسية لمساعدته على القراءة، كما كتب النوتة الموسيقية في عام 1829. ويأتي هذا الاحتفال للتعريف بها، وبنظامها الذي أحدث تغيّرًا جذريًا بحياة المكفوفين وضعاف البصر.
ويعتمد نظام هذه اللغة على الأصابع في قراءة رموز بارزة بعدة لغات، وشكل أحرفها مستطيلة وصغيرة، تسمّى بالخلايا أو النقاط المُثارة، وتختلف من لغة إلى أخرى، وفي الإنجليزية تتكوّن من 3 مستويات من الترميز.
وتكمن أهمية هذه اللغة للمكفوفين في أنها الوسيلة الوحيدة التي يستطيعون من خلالها قراءة اللغة المكتوبة، ودراسة المواد المعقّدة؛ مثل الحساب والكيمياء وغيرهما.
كما يستطيعون الكتابة والعمل لاحقًا من خلالها، ويستطيعون من خلالها أيضًا التواصل مع الكفيف الأصم.
وكان سابقًا من الممكن الكتابة بطريقة برايل عن طريق اللوح المعدني، باستخدام قلم ذي سنّ معدنية مدبّبة يكتب الحروف من خلال ثقوب في الورقة بواسطة لوحة معدنية أو خشبية محفور بها عدد من خلايا برايل، ثم تقرأ الكتابة بعد قلب الورقة من الخلف.
أو تتم من خلال آلة برايل التقليدية، وهي أدوات قديمة لا تحقق طموحات المكفوفين.
أما الآن فقد حققت التكنولوجيا تطوّرًا هائلًا بالنسبة للمكفوفين؛ من خلال التطوير في تقنيات الحاسوب الذي يحوّل الكتابة العادية إلى طريقة برايل على أسطر إلكترونية من خلال برنامج قارئ الشاشة “فيرجو”، بحيث يستطيع الكفيف قراءة ما يعرضه من معلومات ومعارف بسهولة تامة.
يسّرت ما كان صعبًا
طريقة برايل يسرت على المكفوفين أن يسجّلوا مذكراتهم ويكتبوا رسائلهم ويقرؤوا ما يحلو لهم من الكتب والمجلات، وأن يجروا العمليات الحسابية المختلفة، كما مكّنتهم من قراءة وكتابة المقطوعات الموسيقية المختلفة.
الاتحاد الدولي للمكفوفين “The National Federation of the Blind” أخذ على عاتقه الالتزام بالعمل على دعم انتشار طريقة برايل وتعليم المكفوفين من خلالها، وأطلق في ذلك شعاره الشهير: قارئو برايل هم القادة “Braille Readers are Leaders”. وهناك العديد من التسهيلات للمكفوفين؛ منها وضع خطوط منقّطة في الشوارع تبيّن خط سيرهم، أو كلاب تقودهم وتساعدهم في الطرق، أو لوائح في المصاعد.
وبفضل التعديلات في القوانين واللوائح أصبحت أكثر انتشارًا في استخداماتنا اليومية.
وإذا كنت مبصرًا أو تستطيع استخدام أصابعك فربما تكون لاحظت وضع أحرف برايل على أبواب المراحيض للإشارة إلى أن المرحاض مخصص للنساء أو للرجال، وربما لاحظتها على بعض الزجاجات والعبوات.
وقد كانت مجموعة “Co-op” البريطانية في طليعة الشركات التي استخدمت طريقة برايل في بعض منتجاتها، قبل أن يشيع استخدامها مع منتجات أخرى في متاجر متنوعة، وتتاح أيضًا في العديد من البلدان قوائم طعام بطريقة برايل في المطاعم.
ويشيع استخدام لغة برايل في أوروبا بفضل قرار صادر عن الاتحاد الأوروبي عام 2005، ومع ذلك فقد أصبح هذا الاتجاه لا يقتصر على القارة الأوروبية.
ومع تطوّر التقنيات ابتُكرت برامج لقراءة شاشات أجهزة الحاسب، بالإضافة إلى أجهزة هاتف ذكية ناطقة.
وأدّى ذلك إلى ظهور جيل من المكفوفين ممن لهم خبرة في التقنية، لكنها لم تمحُ الأُميّة لديهم؛ إذ بعد سماعهم لهذه الأجهزة الناطقة باتوا لا يلجئون لتعلّم القراءة والكتابة بطريقة برايل.
الاهتمام الخليجي
أولت دول الخليج اهتمامًا بلغة برايل، وتوجد العديد من الأنشطة والبرامج والمبادرات التي تنتشر في الدول الخليجية تركز على الاهتمام بهذه اللغة لتيسير حياة المكفوفين.
آخر الاهتمامات الخليجية بهذا الشأن كشفت عنه صحيفة “الخليج” الإماراتية، السبت (13 مارس 2021)؛ حيث قالت ناعمة عبد الرحمن المنصوري – عضو المجلس الوطني، مديرة إدارة مكتب رعاية المكفوفين بمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم – إنه سيتم قريبًا طبع ملصقات إرشادات وتعليمات استخدام الأدوية بلغة “برايل” للمكفوفين.
وقالت المنصوري إن هذه الخطوة جاءت بعد الاتفاق بين وزارة الصحة ووقاية المجتمع ومؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، ودائرة “صحة أبوظبي” وشركة أبوظبي للخدمات الصحية “صحة”، على تنظيم حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتعريف المكفوفين بالمبادرة.
وأشارت إلى أن الصيدليات ستتعاون في توفير الأدوية لهذه الفئة، بعد طباعة الملصقات على الأغلفة الدوائية عن طريق مطبعة المكفوفين التابعة لمؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم.
أول مطبعة بالوطن العربي
لا يمكن الحديث عن الاهتمام بالمكفوفين في الخليج وفي الوطن العربي دون التطرق إلى مطبعة محمد عبد المحسن الخرافي.
هذه المطبعة أنشأتها جمعية المكفوفين في الكويت عام 1995، بدعم وتمويل سخي من ورثة الراحل محمد عبد المحسن الخرافي، وتكريمًا له سميت المطبعة باسمه، وكانت أول دار نشر بلغة برايل في الوطن العربي، وقد أنشئت لتذليل الصعاب التي تواجه المكفوفين.
بحسب صحيفة “القبس” فإن المطبعة سجلت العديد من الإنجازات، أهمها طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل، وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية.
كما تمت طباعة كتاب علم العروض لأول مرة بطريقة برايل، وتطوير المصطلحات العروضية، إضافة إلى طباعة المناهج الدراسية والمذكرات للطلبة المكفوفين في الجامعات والكليات التابعة للهيئة العامة والتعليم التطبيقي، وإصدار أمهات الكتب والمصادر الثقافية ورزنامة سنوية للمبصرين والمكفوفين، وتجاوزت مطبوعات المطبعة ألف كتاب.
جائزةالتصميم الإبداعي
في عام 2013، نالت الطالبة السعودية هاجر بنت سعود العقيلي جائزة كلية التصميم الإبداعي من جامعة كوينزلاند للتقنية، في مدينة برزبن الأسترالية، وسبب نيل الطالبة السعودية الجائزة كونها صممت جهازًا محمولًا يتيح للمكفوفين القراءة بلغة برايل، وإمكانية الاستماع والحفظ والترجمة إلى عدة لغات.
وحصلت هاجر العقيلي على الجائزة ونالت شهادة تقدير من الجامعة بعد منافسة قوية مع أكثر من 60 طالبًا وطالبة في معرض للمشاريع الطلابية أقيم في الجامعة.
وبحسب ما ذكرت “وكالة الأنباء السعودية” (واس) قالت هاجر إنها أطلقت على الجهاز اسم “تاب كونكت”، مبينة أن هناك خاصية في الجهاز تتيح لغير المكفوفين تعلم لغة برايل.
عام 2017 حظي ابتكار الطالبة الجامعية السعودية، الهنوف عبد الله العبيشي، لطاولة مسح ضوئي لمساعدة المكفوفين على القراءة، بجائزة معرض “وارسو” العالمي للاختراعات في بولندا.
طاولة برايل ابتكار غير مسبوق للمخترعة السعودية يمنح المكفوفين سهولة القراءة عن طريق تحويل حروف الكتب إلى نتوءات بلغة برايل، أو سماعها كمقاطع صوت.
ويتحول سطح الطاولة أثناء الاستعمال إلى نتوءات تمكن المكفوفين من قراءة الكتب، وكذلك تمكن المكفوفين الأميين والأطفال من الاستماع لمقاطع الكتاب؛ إذ تحول الكلمات المكتوبة إلى مقاطع صوتية.
ويمتاز ابتكار العبيشي عما سبقه من ابتكارات مشابهة بأنه ليس ضروريًا أن يكون الكتاب الذي يختاره المكفوف مترجمًا من قبل إلى لغة برايل، إذ تحتوي الطاولة ميزة ترجمة الكتاب إلى لغة برايل للمكفوفين، أو إلى مقاطع صوتية.
لوحة المفاتيح
معهد قطر لبحوث الحوسبة (QCRI)، أحد معاهد البحوث الوطنية الثلاثة التابعة لجامعة حمد بن خليفة (HBKU)، كان له نصيب أيضًا في خدمة المكفوفين من خلال ابتكارات تتعلق بلغة أبرايل.
ففي 2015، أعلن تطوير لوحة مفاتيح مخصصة لأنظمة التشغيل “iOS” تتيح الكتابة بيد واحدة باستخدام طريقة برايل دون الحاجة للنظر، ومناسبة للمتحدثين بالعربية والإنجليزية على حد سواء.
ويساعد هذا التطبيق المكفوفين على الكتابة بسرعة على الأجهزة التي تعمل باللمس، وهي عملية عادةً ما تكون مرهقة جدًا وبطيئة، وبصورة عامة، يعتبر استخدام الأجهزة التي تعمل باللمس، مثل الهواتف الذكية، مزعجًا إلى حد ما بالنسبة للمكفوفين.
وقام معهد قطر لبحوث الحوسبة بجامعة حمد بن خليفة بتطوير لوحة مفاتيح خاصة، تجمع بين الكتابة بشكل مريح بيد واحدة مع سرعة الكتابة بكلتا اليدين بطريقة برايل، إذ تستند إلى نظام برايل الأصلي للكتابة بكلتا اليدين، مع تطويره لإتاحة القدرة على الكتابة بيد واحدة، مما يسهم في استخدام الأجهزة المحمولة براحة أكبر.
قراءة الكتب الإلكترونية والصور المكتوبة
أحد أبرز الإنجازات الشبابية حول لغة برايل كان عن طريق 4 طلاب من جامعة السلطان قابوس، حصلوا خلالها على براءة اختراع من الولايات المتحدة الأمريكية لمشروع جهاز يستخدمه المكفوفون لقراءة الكتب الإلكترونية والصور المكتوبة، ويعمل الجهاز على تحويل هذه الكتب والصور المكتوبة إلى لغة برايل.
ووفق صحيفة “أثير” المحلية يهدف المشروع إلى تخفيف العبء على المكفوفين من خلال تبسيط قراءة الكتب والصور المكتوبة، بحيث لا تحتاج الكتب إلى إعادة طباعة بلغة برايل وإنما يتم إدخالها عن طريق لوحة ذاكرة إلكترونية إلى الجهاز، ويتم تخزينها وعرضها إلكترونيًا، وهو ما يسهل عملية قراءة الكتب والصور المكتوبة وتصفحها.
والجهاز يدعم 60 لغة ضمنها اللغة العربية، كما أنه لا يحتوي على شاشة، مما يجعله خفيفًا في التنقل والاستخدام، وهو يدعم استخراج النصوص من الصور المكتوبة، وهذه الميزات الثلاث هي ما جعلت هذا المشروع يحصل على براءة الاختراع الأمريكية.
الثقافة تحت أطراف أصابع كل كفيف
أما فى مصر فقد طالب الدكتور محمد الزياتى – رئيس مجلس إدارة جمعية “مزايا” لذوي الاحتياجات الخاصة – بحق المواطن الكفيف فى الثقافة، موضحًا أنه يرأس مجلس إدارة دار الكتاب الملموس (الثقافة تحت أطراف أصابع كل كفيف)، وهى دار نشر متنوعة فى جميع مجالات الفكر والثقافة والإبداع، حيث تقدم رحيقًا إبداعيًا متميزًا لجميع المتلقين والطلاب المكفوفين من الزائرين.
تفعيل النشر بطريقة “برايل” هو ما طالب به “الزياتى”، منوهًا بأنه خلال سنوات الدراسة عانى بسبب عدم توافر كتب بطريقة برايل فى المكتبات أو الجامعات، لذلك فكر فى طرح مبادرة على رئيس الوزراء المصري، والدكتورة إيناس عبدالدايم – وزيرة الثقافة – واتحاد الناشرين، بسن قانون مُلزم لكل ناشر يستصدر رقم إيداع، بأن يخصص نسبة 1% من الكتاب أو الإصدار بطريقة برايل، لتكوين مكتبة كبيرة تخدم مختلف القراء.
“لا يمكن طباعة الكتاب إلا بإذن الناشر أو المؤلف، حفاظًا على حقوق الملكية الفكرية، لذلك الإصدارات الموجودة لدينا محدودة، ومن بينها الكتب الدينية والتراثية والخاصة بالأطفال”، يقولها “الزياتى”، منوهًا بأن الناشر دائمًا يخاف من إنفاق مبالغ مالية؛ لأن طباعة كتب بطريقة برايل مكلفة إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن المجلس القومى لذوي الإعاقة لا يقدم كتبًا بطريقة برايل، وأنه شخصيًا طلب إصدارات المجلس لتحويلها بطريقة برايل.
ونوه “الزيانى” بمشكلة أخرى تتعرض لها “مزايا”: “فالجمعية تستأجر كشك بمحطة مترو الشهداء لتوزيع المستلزمات التعليمية للمكفوفين مجانًا، مثل كتب وأوراق برايل، عصا وأقلام للمكفوفين، لكن المكان مهدّد بالإغلاق بسبب عدم تمكننا من سداد الإيجار، ونناشد مجلس الوزراء دعم الجمعية، لتتمكن من استكمال دورها”.
“الكتب الصوتية تصل أسرع، وبطريقة أفضل، وبتكلفة أقل من طباعة كتب برايل”، هو رد الدكتور هيثم الحاج علي – رئيس الهيئة العامة للكتاب – على مقترح تفعيل النشر بطريقة برايل، مشيرًا إلى أن الكفيف لن يتمكن من قراءة تلك الكتب، إلا فى حال تعلم القراءة بطريقة برايل، فى حين لا يحتاج الكتاب الصوتى إلى تعلم القراءة، لذلك فالهيئة تفضّل الأيسر، ووقعت بروتوكولًا مع “ستورى تل” للكتب الصوتية.