علوم وتكنولوجيا

الأكاديمي السعودية سعد البازعي يناقش فى كتابه “قلق المعرفة”.. إشكاليات فكرية وثقافية

جاءت مقدمة كتاب الدكتور سعد البازعي قلق المعرفة: إشكاليات فكرية وثقافية الصادر عن المركز الثقافي العربي وكأنها ناتجة عن قلق ما، لا لتشرح مفهوم القلق أو علاقة المثقفين بالقلق، بقدر ما جاءت نتيجة لقلق التأليف والكتابة، ومعبرة عنه فيتحدث المؤلف في مقدمة كتابه عن كتابة المقدمات والعناوين، وأنها بمثابة قراءة الكاتب لما يكتبه، وإعادة التفكير فيه، ثم يتناول الهدف المعرفي من الكتابة وتناقضه مع الأفكار المسبقة المتكونة في ذهن الكاتب قبل الكتابة، إن كان عاجزاً عن التفكير فيها وتعديلها. ثم يشير إلى الكتب التي يجمع فيها المؤلف مقالاته ودراساته، ومهمته إزائها، والتي يلخصها في: استكشاف الدلالات التي تنطوي عليه المقالات والدراسات، واستكشاف الصلة التي تربط الدراسات والمقالات بعضها ببعض.

قلق التأليف والكتابة

يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: إذا كانت المقدمات هي آخر ما يكتب من الكتاب، كما قال باسكال ومن بعده هيغل، فإن العناوين تأتي في نهاية المقدمات، آخر الأخير، أو على أقل تقدير ترافقها في عملية السعي لتبين مسارات الكتاب. ويصدق ذلك في شكل خاص على كتب من النوع الذي يطالعه القارئ وهو نوع شائع في عملية التأليف ولأسباب سأتوقف عند بعضها لاحقاً. لكني هنا أشير إلى أن ختامية المقدمة والعنوان، وإن لم تكن من مسلمات التأليف، فلربما كتبت مقدمات وعناوين قبل تأليف الكتاب أو حتى جمع مقالاته، أن تلك الختامية هي من طبيعة التفكير التي كان أشهر من تنبه لها، وربما أول من فعل، الفيلسوف الألماني هيغل. فنحن ننجز العمل ثم نفكر في كيفية تقديمه للقارئ على نحو يضطرنا إلى إعادة التفكير فيه، بمعنى أن المقدمة هي قراءة يقوم بها المؤلف لعمله بعد انتهائه منه، يحاول فيها أن يستكنه الموضوع ويلملم أطرافه ويوحده إن أمكن توحيده في قضية أو جملة قضايا.

والمفترض هو أن عملية التأليف، حتى إن تمحورت حول قضية واحدة ومعروفة سلفاً، هي عملية تفكير متصل حول الموضوع لا تكتمل إلا بانتهاء البحث والكتابة. في تلك اللحظة يتبين المؤلف المسار الذي سار فيه والذي يحدث كثيراً، بل غالباً، أن يميل قليلاً أو كثيراً عما خطط له. فقد يبدأ الإنسان بفكرة ثم يجد نفسه بعيداً عنها ولربما عاد إليها وألغاها بالكلية واستبدلها بأخرى، أو على الأقل أحدث فيها تعديلاً يقل أو يكثر بحسب متغيرات البحث والتفكير والاستنتاج. ذلك ما يحدث حين يكون الهدف معرفياً وجاداً.

الهدف المعرفي الجاد يتناقض في تصوري مع التأليف أو الكتابة التي تسبقها أهداف غير قابلة للتعديل، أهداف مسبقة تكون الكتابة والبحث لتحقيقها مسمرة إلى تلك الأهداف وغير مستعدة من ثم لإعادة النظر فيما تبحث فيه. فمن طبيعة البحث والكــتابة أن تكــون عملية استكشافية ومتنامية، بمعنى أنها مفتوحة على احتمالات كثيــرة قد تنتهي بتبين ما لم يكن بالحسبان، الأمر الذي قد يترتب عليه إعادة النظر في الأطروحات أو الفرضيات الأساسية بل وقلبها أو حــتى رفضها كلية إن اقتضى الأمر.

ينسحب هذا على الكتب التي تجتمع فيها مقالات أو دراسات سبقت كتابتها والبحث فيها، فما يحدث في هذه الحالة هي إعادة نظر أخرى في ما سبق البحث والكتابة فيه لتحقيق هدفين: الأول استكشاف الدلالات التي تنطوي عليه المقالات أو الدراسات، والثاني استكشاف الصلة التي تربطها بعضها ببعض إن كان ثمة صلة. إن كون تلك المقالات أو الدراسات كتبت في فترات متباعدة وظروف متغايرة يجعل العودة إليها أشبه بالعودة إلى أرض جديدة.

القلق عند المثقف

وقد جاء الكتاب في عشرة مباحث أو فصول ، تحدث فيها البازعي عن القلق عند المثقف بشكل عام، ومن خلال نماذج متعددة عربية وعالمية، منهم من عايشهم شخصياً، ومنهم من عرفهم عن طريق نتاجهم.

وجاءت فصول الكتاب كالآتي: قلق الأطر وشمل موضوعات جمهور الثقافة أم ثقافة الجمهور، الفكر وأسئلة الإثنية، حول علاقة الديني بالأدبي، حدود الفن. ثم تساؤل عن هل هناك فلسفة عربية معاصرة؟.

أما قلق المفكر فحوى ثلاثة مقالات حول عبدالوهاب المسيري تركة المفكر وواقع الثقافة، صورة شخصية للمفكر في اختلافه، وأشكلة المفاهيم.

بينما قلق الغياب ضم مقالات فايز في قائمة الإبداع!، وداعاً مثقف الصحراء! أستاذتي فاطمة موسى.

وخصص الفصل الرابع للباحث المغربي محمد عابد الجابري تحت عنوان الجابري: قلق الحوار.. قلق التفلسف. بينما كان الفصل الخامس عن المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد: قلق الانتماء، الانتماء الغربي للمثقف العربي.

وفي قلق المعاصرة يتساءل البازعي عن عصر المعلومات أم عصر المعرفة؟ مأزق العلوم الإنسانية وأخواتها، هل نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ بين انقراض اللغات وانحسارها: قلق العربية، الكتابة بين الشارع والشاعر. وفي قلق التنوير يتساءل عن التنوير العربي: نوافذ إلى ماذا؟.

إضافة إلى تساؤلات ألمانية حول الإسلام، وتساؤلات أوروبية حول دور العرب، وثقافة أمريكا وبربريتها، وأوباما من منظور فلسفي، وكل ذلك في الفصل الثامن تحت عنوان تساؤلات غربية.

أما القلق اليهودي فيفرد له البازعي الفصلين التاسع والعاشر متناولا موران ودور اليهود في أوروبا، خطاب الإصلاح اليهودي، عند الستين يخشى الإسرائيليون الزوال، أوباما وإسرائيل: لماذا الدعم الأعمى؟ نقد إسرائيل ودروس التاريخ، إسرائيل: انتصارات عسكرية وهزائم أخلاقية، فيما كان الفصل العاشر عن قلق التأليف والكتابة عن اليهود.

ويختم البازعي كتابه بقوله ذلك الفسيفساء هو ما تبين لي وأنا أقلب أوراق سنوات مضت لأجمع ما يمكن جمعه مما نتج عن مشاغل تلك السنوات على المستويين الفكري والثقافي العام. وبتدقيق النظر بدأت معالم صورة كلية تتراءى لي، صورة يشير إليها العنوان الذي استقررت عليه بوصفه ملتقى المشاغل أو الإشكاليات.

المؤلف في سطور

ومما يذكر أن الدكتور سعد بن عبد الرحمن البازعي من مواليد القريات بالمملكة العربية السعودية، 1372هـ / 1953م.

حصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة الرياض (الملك سعود حالياً) بالرياض عام 1394ــ1974م والماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بردو Purdue بولاية إنديانا الأمريكية 1978.

والدكتوراه في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو Purdue 1983وكان عنوان الأطروحة : الاستشراق الأدبي في الأدب الأنجلو-أمريكي في القرن التاسع عشر: نشوءه واستمراره (بالإنجليزية).

من مؤلفاته :

ثقافة الصحراء: دراسات في أدب الجزيرة العربية المعاصر، دليل الناقد الأدبي: إضاءة لأكثر من ثلاثين مصطلحا وتيارا نقديا أدبيا معاصرا (مشترك مع د. ميجان الرويلي)، إحالات القصيدة: قراءات في الشعر المعاصر، مقاربة الآخر: مقارنات أدبية، المكون اليهودي في الثقافة المعاصرة،استقبال الآخر: الغرب في النقد العربي الحديث، أبواب القصيدة: قراءات باتجاه الشعر، شرفات للرؤية: العولمة الهوية والتفاعل الثقافي، المكون اليهودي في الحضارة الغربية، الاختلاف الثقافي وثقافة الاختلاف، وجدلية التجديد: الشعر السعودي في نصف قرن. بالإضافة إلى العديد من الأبحاث المنشورة بالعربية والانجليزية.

الكتاب : قلق المعرفة .. إشكاليات فكرية وثقافية

المؤلف : الدكتور سعد البازعي

الناشر : المركز الثقافي العربي –بيروت –لبنان / الدار البيضاء – المغرب

زر الذهاب إلى الأعلى