يُعد من أهم الأسباب الرئيسية للإعاقة.. هل ينجح التحفيز العميق للدماغ في علاج مرضى الوسواس القهري؟
تتراوح نسبة انتشار اضطراب الوسواس القهري حول العالم بين 2 و3%، ويُعد من أهم الأسباب الرئيسية للإعاقة في جميع أنحاء العالم. تقول الدكتور ولاء صبري, أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بجامعة عين شمس, في تصريحات لوسائل إعلامية: يحدث اضطراب الوسواس القهري نتيجة اختلال في الإشارات الكهربائية داخل الدماغ، وهذا هو السبب في استخدام التحفيز العميق للدماغ باعتباره خطةً علاجيةً للمرضى الذين يعانون منه، وتركز هذه التقنية على تحسين التواصل الكهربائي والتواصل العصبي في خلايا المناطق الدماغية، مما يكون له تأثيرٌ إيجابي على مرضى الوسواس القهري.
قد تتحول التصرفات البَدَهية البسيطة مثل تكرار غسل اليدين إلى عادات قهرية ترتبط بالإصابة بالوسواس القهري. ولا تظهر أعراض مرض الوسواس القهري بالضرورة على هيئة سلوكيات غريبة، فحتى التصرفات البَدَهية البسيطة يمكن أن ترتبط بالإصابة بهذا المرض، والأمثلة عديدة مثل الخوف من الاتساخ أو من ارتكاب الأخطاء أو من التعرُّض لمواقف محرجة أمام الغرباء، أوالامتناع عن مصافحة الآخرين أو ملامسة مقبض الباب، وتكرار التحقق من الأمور مثل غلق الأقفال أو مواقد الغاز، أو التشديد على ترتيب الأغراض الشخصية وتنظيمها بشكل دائم.
فقد تتطور هذه التصرفات البدَهية وتتكرر تكرارًا مفرطًا لتصبح مؤشرًا على حاجة الشخص إلى العلاج، خاصةً عندما تتحول إلى عادات قهرية لا يشعر الشخص بالراحة إلا عند فعلها، ما يؤدي إلى مضاعفات عدة، بدايةً من اضطراب علاقات الشخص بالمحيطين به، وانتهاءً بسيطرة السلوكيات الانتحارية على تصرفاته وأفكاره. وتظهر أعراض الوسواس القهري في صورة مدٍّ وجزر، وتؤثر على الحياة اليومية للمصابين، ما دفع فريقًا بحثيًّا بجامعة “براون” الأمريكية إلى تتبُّع إشارات الدماغ المرتبطة بأعراض اضطراب الوسواس القهري، وفق دراسة نشرتها دورية “نيتشر ميديسين”.
يتسم اضطراب الوسواس القهري (OCD) بنمط من الأفكار والمخاوف غير المرغوب فيها (وساوس) تدفع المريض إلى عمل سلوكيات تكرارية (سلوكيات قهرية)، وتَعوق هذه الوساوس والسلوكيات القهرية أداء الشخص لأنشطته اليومية، مما يتسبب له في ضيق شديد، وعلى الرغم من جهود الشخص المبذولة لتجاهُل هذه الأفكار أو الدوافع المزعجة أو التخلُّص منها، إلا أن المريض عادةً ما يستمر في التفكير فيها، الأمر الذي يؤدي إلى سلوكيات أشبه بـ”الطقوس”، ما يُدخل الفرد في حلقة مفرغة.
المحفز العصبي
في الدراسة الحديثة، طور العلماء إستراتيجية “التحفيز العميق للدماغ” (DBS)، وهي إستراتيجية جراحية عصبية، تنطوي على زرع جهاز طبي (محفز عصبي)، يرسل نبضات كهربائية من خلال الأقطاب الكهربائية المزروعة إلى أهداف محددة في الدماغ, مثل نواة الدماغ, لعلاج الاضطرابات العصبية والنفسية، وسبق أن وافقت “إدارة الغذاء والدواء الأمريكية” على استخدام تلك الإستراتيجية باعتبارها علاجًا لمرضى الشلل الرعاش في عام 1997، ومرضى “خلل التوتر العضلي” عام 2003، ومرضى اضطراب الوسواس القهري في عام 2009.
من أسباب الإعاقة
ووفق الدراسة، تتراوح نسبة انتشار اضطراب الوسواس القهري حول العالم بين 2 و3%، ويُعد من أهم الأسباب الرئيسية للإعاقة في جميع أنحاء العالم، ويُعتبر العلاج السلوكي الدوائي من الدعائم الأساسية لعلاج اضطراب الوسواس القهري، ولكنه يفشل في تحقيق فائدة مستدامة في 25-40٪ من المصابين بالمرض، ويفشل حوالي 10٪ من الأفراد في الاستفادة بأي تدخل علاجي لحالات الوسواس القهري الشديدة، وتم استخدام إجراءات جراحة الأعصاب بدرجات متفاوتة من النجاح لمدة نصف قرن، وعلى الرغم من أن أكثر من نصف المرضى الذين يعانون من الوسواس القهري المقاوم للعلاج يستجيبون للعلاج بـ”التحفيز العميق للدماغ”، إلا أن عدد مَن تلقوا هذا النوع من العلاج حول العالم ما زال قليلًا، وقد يكون العديد من الأفراد مؤهلين للحصول على علاج بـ”التحفيز العميق للدماغ”، ولكنهم لا يتابعون دورة العلاج بسبب عوائق مختلفة، مثل نقص الوعي وصعوبة الحصول على العلاج وارتفاع تكلفة العلاج على سبيل المثال.
وتضيف الدراسة أن “التحفيز العميق للدماغ يتفوق على الأساليب الجراحية بقابليته للتعديل وتعظيم الآثار المفيدة وتقليل الآثار الضارة التي قد تنجم عن إجراء العمليات الجراحية”.
آثار جانبية
يوضح ديفيد بورتون, الأستاذ المساعد في الهندسة الطبية الحيوية بجامعة “براون”، وأحد المشاركين في الدراسة, أن “التحفيز العميق للدماغ يعمل عن طريق إرسال نبضات كهربائية خفيفة إلى الدماغ باستخدام أقطاب كهربائية موضوعة داخل الدماغ نفسه”.
ويرى العلماء أن “الاختلاف الزمني الطبيعي في شدة الأعراض لدى الأفراد المصابين باضطراب الوسواس القهري يزيد من تعقيد إدارته والتعامل معه، ويضع عقباتٍ كبيرةً في محاولة الطبيب للتوصل إلى تعديلات تتناسب مع كل حالة”.
إشارات الدماغ
تتبَّع الباحثون إشارات الدماغ عندما يبدأ اضطراب الوسواس القهري لدى خمسة أشخاص يعانون من هذه الحالة، وهم رجلان وثلاث نساء، تتراوح أعمارهم بين 31 و40 عامًا، يعانون من أعراض الوسواس القهري التي بدأت عندما كانوا أطفالًا أو مراهقين، ولم يستطيعوا تحمُّل العديد من التدخلات الدوائية.
التقلُّبات اليومية
يهدف عمل العلماء إلى تسجيل النشاط العصبي في أثناء التقلبات اليومية العادية لأعراض الوسواس القهري، ويتيح تدفُّق البيانات العصبية التقاط بيانات الفيزيولوجيا الكهربية (العلم الذي يبحث الصفات الكهربائية للخلايا والأنسجة البيولوجية) داخل الجمجمة في أثناء الحالات الطبيعية، ويتضمن ذلك النوم والتنشئة الاجتماعية والنظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية. إلى جانب بيانات إشارات الدماغ، جمع الفريق أيضًا مجموعةً من المؤشرات الحيوية السلوكية خلال التجربة السريرية، تضمنت تعابير الوجه وحركة الجسم، وباستخدام الكمبيوتر والتعلم الآلي، اكتشفنا أن السمات السلوكية مرتبطةٌ بتغيرات في نشاط الدماغ، أما في المنزل، فقمنا بقياس التقارير الذاتية للمشاركين عن شدة أعراض الوسواس القهري وكذلك البيانات الحيوية (معدل ضربات القلب ومستويات النشاط العام) المسجلة بواسطة ساعة ذكية وتطبيق هاتف ذكي مقترن، وبعد ذلك، عملنا على مزامنة كل هذه التدابير السلوكية مع بيانات استشعار الدماغ، مما ساعدنا في البحث عن الارتباطات بين الاثنين، وساعدنا ذلك على التمييز بين الفترات التي يعاني منها الشخص من أعراض الوسواس القهري، وتلك التي لا يعاني فيها من هذه الأعراض، وأتاحت هذه التقنية تسجيل التنوُّع في السلوك ونشاط الدماغ.