“هذه ليست دعاية”.. كتاب جديد يناقش الأشكال الجديدة من التلاعب بوسائل الإعلام في العصر الرقمي
ظن البعض ان التطور فى مجال التكنولوجيا والمعلومات سيعمل على تقوية المجتمعات الديمقراطية والليبرالية، الأمر الذي سيجعل النقاش العام أكثر اتساعًا، ويفتح آفاقًا للتعاون عبر الحدود، ولكن حدث العكس، حيث أصبحت “حرب المعلومات” الآن هى السلاح الأكثر حدة من الحرب التقليدية؛ إذ يمكن لبلد ما أن تقترب من تدمير أخرى دون أن تتشابك معها في حرب عسكرية.
وفي هذا الإطار، يعرض الصحفي الروسي “بيتر بوميرانتسيف” في كتابه “هذه ليست دعاية: مغامرات في الحرب ضد الواقع”، التلاعب بالمعلومات من خلال ملاحظاته الميدانية، وتقارير استقصائية أعدها بنفسه عن حروب التضليل.
حاول “بيتر” استكشاف عوالم المتصيدين الإلكترونيين (Troll)، ومزودي الأخبار المزيفة، من الفلبين مرورًا بروسيا وصربيا وتركيا وأوكرانيا، وانتهاءً بأمريكا اللاتينية، ليوضح كيف تطورت حروب التضليل، واستخدامات الأنظمة غير الديمقراطية للتكنولوجيا للتلاعب بالمعلومات.
يناقش “بيتر” في هذا الكتاب الأشكال الجديدة من التلاعب بوسائل الإعلام في العصر الرقمي. حيث يؤكد أن ما يحدث فيه يتلاءم مع نمط أكبر لاحظته الباحثة في الحرب الإلكترونية بجامعة هارفارد “كميل فرانسوا” في جميع أنحاء العالم، وأنه إصدار جديد من العلاقة القديمة للسلطة مقابل المعارضة، وحرية الرأي مقابل الرقابة. وتضيف “كميل فرانسوا” أن الأدوات السابقة لإسكات المواطنين أصبحت غير محتملة؛ فبخلاف الاتحاد السوفيتي السابق، فإن عددًا قليلًا من الأنظمة تستطيع منع الناس من تلقي أو نشر المعلومات. ومع ذلك، استطاعت النظم القوية التكيف، وأصبحت اللجان الإلكترونية التابعة لها قادرة على تقويض أصوات المعارضة، وتشويه سمعتها حتى لا يستمع إليها أحد. وأنه بالنظر إلى أن الروابط بين الدول وتلك اللجان تظل خفية، فيمكن للنظام أن يدعي أنه لا علاقة له بهذه الحملات، وأنهم مجرد أفراد عاديين يمارسون حرية التعبير.
وأشار “بيتر بوميرانتسيف” إلى قيام “فرانسوا”، خلال الفترة من عام 2015 إلى عام 2018، بتشكيل فريق من عشرين باحثًا وائتلافًا من منظمات المجتمع المدني للبحث عما يمكن تسميته “التصيد برعاية الدولة” في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا والأمريكتين. وتوصل البحث إلى وجود ما أسماه “حملات موجهة من الدولة”، من خلالها يُعطي النظام تعليمات بشأن من يجب أن يُسْتَهدف، وكيف، ومتى، وهو ما حدث في فنزويلا عندما أنشأت حكومة “نيكولاس مادورو” قنوات إعلامية توجه من خلالها المتحمسين إلى من يهاجمون، وماهية الرسائل، ومتى، ولكنها لا تنفذ العمل بنفسها.
ويؤكد “بوميرانتسيف” أن فكرة حرب المعلومات بدأت تستحوذ على المحللين الجيوسياسيين الروس منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق؛ حيث أرجع بعض الأكاديميين الانهيار إلى “فيروسات المعلومات” التي زرعتها أجهزة الأمن الغربية من خلال أفكار “حصان طروادة” مثل حرية التعبير والإصلاح الاقتصادي “عملية البيريسترويكا”.
يذكر الكاتب أن عالم السياسة الروسي “جيلب بافلوفسكي” يرى الغرب، اليوم، وكأنه يمر بنفس التغيرات التي مرت بها روسيا في التسعينيات من القرن الماضي، وهو رد فعل متأخر على أزمة مماثلة، وأن الحرب الباردة قسمت الحضارة العالمية إلى شكلين بديلين، وكلاهما وعد الناس بمستقبل أفضل، والاتحاد السوفيتي خسر بلا شك، ولكن بعد ذلك ظهرت يوتوبيا غربية بلا بديل.
حول المؤلف:
وُلِد بوميرانتسيف في كييف، جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية عام 1977. وفي عام 1978، انتقل مع والديه إلى ألمانيا الغربية، بعد أن اعتقل جهاز المخابرات السوفيتية والده والمذيع والشاعر إيغور بوميرانتسيف بتهمة نشر الأدب المناهض للسوفييت.
انتقلوا لاحقًا إلى ميونيخ ثم إلى لندن حيث عمل إيغور بوميرانتسيف في خدمة بي بي سي العالمية.
والدة بوميرانتسيف، ليانا بوميرانتسيف، منتجة أفلام وثائقية. تشمل اعتماداتها فيلم Gulag، الذي فاز بجائزة Grierson لأفضل فيلم وثائقي بريطاني؛- حصار بيسلان الذي فاز بجائزة إيطاليا؛ والقطار التي فازت بجائزة بافتا.
التحق بوميرانتسيف بمدرسة وستمنستر في لندن والمدرسة الأوروبية في ميونيخ. درس الأدب الإنجليزي والألمانية في جامعة إدنبرة. انتقل بعد الجامعة إلى روسيا في عام 2001. وحضر الدورات العليا لكتاب السيناريو ومخرجي الأفلام في موسكو. “قفز إلى الوظائف” بين مراكز الفكر وكان مستشارًا في مشاريع الاتحاد الأوروبي حتى التحق بكلية السينما.
ابتداءً من عام 2011 ، كتب بوميرانتسيف عن روسيا بمقالات في نيوزويك، وأتلانتيك مانثلي ومجلات أخرى. لقد صاغ مصطلح “ديكتاتورية ما بعد الحداثة” لوصف نظام فلاديمير بوتين.