لماذا تتفوق روبوتات الدردشة في الشعر وتتخبط في الرياضيات؟
برزت في العام الدراسي الأخير فئة من المتعلمين مثل لغز ظاهر للعيان… فئة من “المجتهدين”، الذين يتحسنون ويتحدثون بوضوح ملحوظ. لكن من الغريب أن هؤلاء “المتعلمين” – روبوتات الدردشة الذكية – غالباً ما يجاهدون مع الرياضيات.
الأشعار وليس الحساب
تُظهر روبوتات الدردشة مثل “تشات جي بي تي” من شركة “أوبن إيه آي” قدرة مذهلة على كتابة الشعر، وتلخيص الكتب، والإجابة على الأسئلة بطلاقة تقارب مستوى الإنسان. ورغم أنها قادرة على إجراء العمليات الرياضية بناءً على ما تعلمته، إلا أن النتائج يمكن أن تكون غير دقيقة. ذلك لأن هذه الأنظمة مصممة لتحديد الاحتمالات وليس لإجراء حسابات دقيقة قائمة على القواعد، مما يجعل الاحتمال غير دقيق واللغة أكثر مرونة وتسامحاً من الرياضيات.
متخصص فنون حرة لا في عبقرية الأرقام
يقول كريستيان هاموند، أستاذ علوم الكمبيوتر وباحث الذكاء الاصطناعي في جامعة نورث وسترن: “تواجه روبوتات الدردشة الذكية صعوبة في الرياضيات لأنها لم تُصمم قط للقيام بذلك”. يبدو أن علماء الكمبيوتر قد ابتكروا ذكاءً اصطناعياً متخصصاً في الفنون الحرة أكثر من عبقرية الأرقام. تاريخياً، كانت أجهزة الكمبيوتر آلات حسابية دقيقة وسريعة، وكان تحليل الأرقام هو ما تجيده تلك الأجهزة، متجاوزة الأداء البشري بكثير. ولكن الجهود السابقة في الذكاء الاصطناعي اصطدمت بحواجز عندما حاولت تكرار هذه الدقة في مجال الرياضيات.
الشبكات العصبية
ومع ذلك، اخترق نهج مختلف في الذكاء الاصطناعي قبل أكثر من عقد من الزمان، وبدأ في تحقيق مكاسب مذهلة. التكنولوجيا الأساسية، التي تسمى الشبكة العصبية، مصممة بشكل فضفاض على غرار الدماغ البشري. هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لا يُبرمج بقواعد صارمة، بل يتعلم من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات. يولد اللغة بناءً على التنبؤ بالكلمة أو العبارة الأكثر احتمالاً أن تأتي بعد ذلك، كما يفعل البشر.
ورغم الأداء المذهل في العديد من المجالات، تعثرت روبوتات الدردشة في حل مسائل حسابية بسيطة تتطلب خطوات متعددة للوصول إلى حل. قالت كريستين دي سيربو، كبيرة مسؤولي التعليم في أكاديمية خان، في ندوة عقدت مؤخراً إن “الدقة في الرياضيات مشكلة، كما يعلم الكثير من المعلمين”.
نظام «خانميغو» الذكي التعليمي
لمواجهة هذه التحديات، أجرت أكاديمية خان تغييراً كبيراً على مدرسها المدعوم بالذكاء الاصطناعي “خانميغو”، حيث يرسل العديد من المسائل الحسابية إلى برنامج الآلة الحاسبة بدلاً من مطالبة الذكاء الاصطناعي بحل مسائل الرياضيات. بينما يتم إجراء الحسابات، يرى الطلاب عبارة “إجراء العمليات الحسابية” على شاشاتهم وأيقونة “خانميغو” تهز رأسها. تستخدم أكاديمية خان أدوات مخصصة لإجراء العمليات الحسابية، مؤكدة أن روبوتات الدردشة التفاعلية ستظل تلعب دوراً مهماً في التعليم.
استخدم “تشات جي بي تي” أيضاً حلاً مشابهاً لبعض مشاكل الرياضيات، حيث يطلب المساعدة من برنامج الآلة الحاسبة لمهام مثل قسمة الأعداد الكبيرة والضرب. ورغم أن شركة “أوبن إيه آي” أحرزت تقدماً في هذا المجال، إلا أن الدقة لا تزال تحدياً. حسب الشركة، حققت النسخة الجديدة من GPT دقة تقرب من 64% على قاعدة بيانات عامة تضم آلاف المشكلات التي تتطلب الإدراك البصري والمنطق الرياضي، وهو أعلى من 58% للإصدار السابق.
مناقشات حول توجهات المستقبل
يضيف الأداء غير المنتظم للتكنولوجيا في الرياضيات زخماً إلى نقاش حاد في مجتمع الذكاء الاصطناعي حول أفضل السبل للمضي قدماً في هذا المجال. يتوزع المجتمع العلمي بين من يؤمن بأن الشبكات العصبية المتقدمة تشكل مساراً واحداً للتقدم نحو “الذكاء الاصطناعي العام”، وآخرون يرون أن هذه النماذج تفتقر إلى المنطق والتفكير السليم. يعتقد يان ليكون، كبير علماء الذكاء الاصطناعي في “ميتا”، أن المطلوب هو نهج أوسع يتضمن “نمذجة العالم”، أو أنظمة يمكنها تعلم كيفية عمل العالم مثلما يفعل البشر.
على الرغم من العيوب، فإن النماذج الحالية تظل قادرة على تحقيق إنجازات هائلة. يبقى التحدي هو كيفية تحسين أداء الذكاء الاصطناعي في مجالات معينة مثل الرياضيات، لتحقيق توازن بين التخصصات المختلفة، والاقتراب أكثر من محاكاة القدرات البشرية المتع