علوم وتكنولوجيا

قصة المصري “هيثم عاصم”.. أصغر مخترع عالمي في الذكاء الاصطناعي

هناك ترجمة شعبية (غير رسمية) لشركة (IBM)، وكان موظفوها يتناقلونها فيما بينهم وهي: (I Will be Moving) أي: إنني سأتقدم باستمرار.

كانت هذه العبارة هي حال المبتكر المصري الشاب “هيثم عاصم” – 29 عامًا – الذي صنفته “فوربس” كأصغر مخترع في العالم العربي، وأصبح في 2015 المخترعَ الأصغرَ سنًا في تاريخ شركة IBM في أيرلندا؛ فقد حصل على 12 جائزة إبداعية من الشركة فيما يخص قطاع المدن الذكية والذكاء الاصطناعي، ولكنه يعمل الآن كمدير تقني في أيرلندا، وقد وصل رصيده من الإسهامات والاختراعات إلى 40 براءة اختراع، وأسهم في دفع عجلة الابتكار، وإنجاز العديد من الأبحاث، كما يعمل مع المجالس المحلية على تطوير المدن الذكية.

اختارته مجلة “فوربس” شهر يناير 2018 ضمن قائمة “30 دون 30” في أوروبا لعام 2018 في احتفالها الذي أقيم في لندن، وذلك بناء على معايير التكنولوجيا وبراءات الاختراع والحلول التكنولوجية التي لها أثر اجتماعي على حياة المواطنين، والبالغ عددها خمسة ابتكارات لافتة، اخترعها هيثم في أربع سنوات، وهو الآن “عالم رئيس” Chief Scientist بالشركة.

نتور جرافيكس”

تخرج “هيثم” من هندسة عين شمس ثم عمل في مصر لعام واحد بشركة “نتور جرافيكس” متعددة الجنسيات، قبل أن يقدم على دراسات عليا في الخارج رغبة في مزيد من التعلم. اختار جامعة أيرلندية كان لديها اتفاق تعاون مع شركة IBM في مجال تطبيقات الحياة الحقيقية، وفي أثناء الدراسات العليا تلقى عرضًا للعمل بالشركة فعمل فيها، وبعد عامين رغب في دراسة الدكتوراه وعرضت الشركة تغطية نفقات دراسته مقابل استمراره في العمل لديها. يعيش هيثم مع زوجته في دبلن، وهو رياضي يلعب الإسكواش وكرة القدم ويهوى القراءة.

علوم المواطن

يقول هيثم في حوار خاص لـ”انتربرنور العربية: “المدن الذكية تجذبني أكثر من الذكاء الاصطناعي وأقرأ فيها منذ سبع سنوات حتى بدأت العمل عليها في منتصف 2013، وتهمني علوم المواطن وأن أرى كيف نعيش بشكل ذكي، وقد تظهر إمكانيات كبيرة في هذا الإطار تفيد المجالس المحلية”.

تحسين جودة الصوت

بدأ هيثم عمله في أيرلندا بمجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة من خلال تقنية نقل الصوت عبر بروتوكول الإنترنت لتحسين جودة الصوت المنقول، ثم انتقل لمجاله المفضل وهو المدن الذكية فانضم لفريق آخر بالشركة نفسها، كما أن دراسته للدكتوراه كانت بنفس المجال وهي عن استخراج أنماط جديدة بالمدن من شأنها تحسين إدارة المدن عبر المجالس المحلية وتفيد المواطنين كذلك. في هذا الإطار، تركز العمل على مجال الحركة والنقل والطاقة وإدارة المياه، وآخر ما قدمه كان مفهومًا جديدًا عن الوظائف المؤقتة للمدن.

خوارزميات لاستخراج وظائف المناطق

يقول هيثم: “هذه التكنولوجيا مفيدة جدًا لمخططي المدن الذين يوظفون أجزاء المدينة المختلفة بين مناطق سكنية ومناطق تسوق وأخرى للأعمال التجارية، ومع الوقت يصبح لهذه المناطق وظائف مختلفة عما خطط لها. ما فعلته أنا هو تحليل كتابات الناس على وسائل التواصل الاجتماعي لأتبين ماذا يفعلون في هذه المناطق في أوقات مختلفة من اليوم عن طريق خوارزميات تستخرج وظائف المناطق وتغيرها مع تغير الوقت كل ساعتين؛ فالمنطقة المعنية بالأعمال التجارية لا تكون كذلك سوى في ساعات العمل فقط وقد تختلف وظيفتها في المساء مثلا”.

تكشف الخوارزميات مواقع الأشخاص أصحاب الكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق شبكات الجيل الثالث والرابع على هواتفهم المحمولة التي يستخدمونها للاتصال بالإنترنت، وتم التركيز بالأساس على موقعي “فورسكوير” و”تويتر” إلى جانب مواقع أخرى.

استخدامات مناطق الحضر عن مناطق الريف

يعتبر “هيثم” أن التحدي الذي يواجه الذكاء الاصطناعي عادة هو تنوع البيانات حتى لا تقتصر على مصدر واحد فقط لضمانات الصحة، ويوضح: “تحققنا من صحة ودقة هذه الخوارزميات بالتطبيق على مدن نيويورك وباريس ودبلن، لكن الأمر يختلف من مدينة لأخرى؛ فهذه التكنولوجيا قادرة على إعطاء تمثيل جيد لاستخدامات مناطق الحضر عن مناطق الريف؛ لأن من يرتادون المدن هم أكثر اتصالاً بالإنترنت وبالتالي هم مصادر جيدة للبيانات، وأتوقع لو جربناها في مدن عربية مثل القاهرة ودبي وأبو ظبي أن تؤتي نتيجة جيدة لكنه لا يزال توقع نظري، وهناك رغبة في التوسع في التجارب بالشرق الأوسط”.

عمليًا، يشرح هيثم كيف ستغير هذه التكنولوجيا من شكل حملات التسويق؛ إذ سيتزايد سوق الإعلانات المحلية المعروضة في منطقة ما وتتغير حسب الوقت ووظيفة هذا المكان، ففي الصباح تتماشى الإعلانات مع وظيفة التسوق التي تغلب على المنطقة، وفي المساء تتغير لتناسب وظيفة الترفيه في المنطقة نفسها. ستساعد أيضًا هذه التكنولوجيا أصحاب المشروعات الجديدة في اختيار المنطقة الأنسب للتواجد حسب الوظيفة الغالبة.

يضيف هيثم: “أعمل حاليًا أيضًا على تقييم ممنهج ومنطقي لتسعير العقارات بناء على ديناميكية موقعها، وهو أمر يمثل مشكلة لأغلب المجالس المحلية، فكلما زادت الديناميكية زادت القيمة”.

أنماط اجتماعية ديموغرافية

بخلاف ظهور نقاط الاهتمام على الخريطة ومن ثم التعرف على طبيعة وتصنيف هذه الأماكن؛ إن كانت تعليمًا أو بيزنس أو مطاعم وهكذا، يمكن التعرف كذلك على أنماط اجتماعية ديموغرافية والتوصل لأنماط على مستوى الدولة بأكملها. يقول هيثم: “هذا النوع هو الأكثر تقدمًا إذ يمكن التعرف على أنماط مشتركة بين مدينة متقدمة وأخرى نامية ومراقبة تشابه الدول النامية مع الدول المتقدمة عن طريق معرفة الموضوعات، يتم الحديث فيها على وسائل التواصل الاجتماعي ومتى وأين؛ هذه المعلومات التي يتم تجميعها من مئات الآلاف من الأشخاص تخلص إلى نقاط معينة يمكن مراجعتها سنويًا لمراقبة تقدم هذه الدولة”.

النموذج السنغافوري

ويوضح العالم المصري إن بلدًا مثل سنغافورة لم تتطور فجأة سياسيًا واقتصاديًا وتعليميًا، لكن إذا كنا رصدناها بهذا الشكل فسنجدها تبتعد عن مجموعة الدول النامية تدريجيًا، وبالتالي يمكن توقع تحولها لدولة متقدمة في غضون سنوات. ويتابع: “العديد من الأبحاث التي أجريت في المدن الذكية ترصد حركة الفرد؛ وبالتالي يمكن اقتراح أماكن أخرى متوافقة مع تفضيلاته واختياراته لارتيادها، لكن أنا أرصد الدولة نفسها ككتلة واحدة، وأقوم بتحليل حركة الحشود بشكل جماعي دون التفات لكل شخص على حدة؛ أجريت التجربة على سنغافورة ودول أخرى للتحقق من النتائج وكانت ناجحة”. وما زالت تجارب التثبت جارية من هذه التكنولوجيا.

حلول المدن الذكية

تقوم الخوارزميات برصد أي نمط حركة غريب وغير طبيعي نتيجة مظاهرات أو مباراة رياضية أو سوء الأحوال الجوية مثلاً، لتصدر تنبيهًا بذلك وتأتي بالتفسير. يقول هيثم: “لا نقف على الرصد فقط بل نهتم بالسبب.. لماذا حدث؟ ونجيب عن السؤال؛ فما نوفره هو حل للتعلم العميق يجمع بياناته من مصادر عديدة حول تغير أنماط الحركة ودوافع ذلك، يجب أن تبحث حلول المدن الذكية في المنطق وراء الأشياء والظواهر ولا تقتصر على توقع السلوكيات”.

يعمل هيثم حاليًا على تطوير التنبيهات المبكرة عند وقوع عمليات إرهابية عبر التقاط إشارات مبكرة اذا انتشرت الجموع وباتت الحركة كلها في اتجاه معين. يوضح: “هذه الإشارات لها علاقة بحركة السيارات والأفراد، وهي أكثر من مجرد رصد لوسائل التواصل الاجتماعي”.

توقعات 2080

لما كانت بعض المدن الأيرلندية النائية تواجه فيضانات ضخمة، توقفت معها شركات التأمين عن تأمين المنازل هناك، ما تسبب في خسارة فادحة للمواطنين، ابتكر هيثم تكنولوجيا لتوقع مستوى الفيضان ودرجة تدفق التيار وارتفاع المياه عن طريق تركيب أجهزة استشعار على النهر. يقول هيثم: “لدينا توقعات بهذا الخصوص لكل يوم حتى عام 2080”.

مخاطر وتحديات

يرى “هيثم” أن الخطر الكبير هو في استخدام الذكاء الاصطناعي للتعرف على أنماط الأفراد، وهنا تظهر معضلة الخصوصية وهي ما يحاول العالم حلها. ويقول: “هناك دائما مخاطرة بين تطوير خوارزميات تفهم بشكل أفضل وبين الخصوصية. التكنولوجيا تجعل الإنسان قادر على أخذ قرارات أفضل ولا تستبدله، أغلب الشباب لا مشكلة لديهم فيما يخص الخصوصية وهذا ما رأيناه في استطلاعات أجريناها في أيرلندا ونيويورك ولندن، ربما تختلف النتيجة في الدول العربية لكن أهم شيء هو الثقة في مالك البيانات”.

ويضيف: “الذكاء الاصطناعي ليس مجرد روبوتات وإنما يستخرج معنى من البيانات الضخمة والمفتوحة المتاحة، ولهذا رقمنة البيانات سلطة قوية والمدن تتنافس فيما بينها لأنه كلما توفرت معلومات أكثر عن مدينة ما كلما استطاع الباحثون استخدامها للاختراع والتطوير بما يعود بالنفع على هذه المدينة أيضًا، والخوارزميات تصبح أكثر نضجًا مع الوقت حتى إن الإنسان نفسه سيكون جهاز استشعار وهو مفهوم جديد”.

يختم هيثم حواره قائلاً: “أتمنى ترك أثر في هذه الحياة وأن ألهم ولو شخصًا واحدًا، مهمتي أن أخلق التكنولوجيا وهي أداة كغيرها يمكن استخدامها بشكل سيء أو بشكل جيد، دوري أن أوضح كيف تستخدم هذه التكنولوجيا بشكل جيد يخدم المجتمع، لكن في النهاية يصعب السيطرة على الأمر، ربما أصل لنتائج معينة أشك في إمكانية استخدامها بشكل سيء فأراعي ذلك ولا أنشرها على نطاق واسع”.

زر الذهاب إلى الأعلى