الفضة.. كيف استخدمها أجدادنا في تنقية المياه؟
عُرفـت الفضـة منـذ العصـور القديمـة بأنها معـدن زخرفـي قـیّم، كمـا كانت تُستخدم كعملة نقدية، وأقیمت لها عدة مناجم فـي آسـیا الصـغرى حوالي عـام 2500 قبل المیلاد. وفي العصور الإسلامیة استخدمت الفضة في صنع الأوانـي والنقود.
وتُعد منطقة الأناضول في تركيا مهد الفضة منذ الألف الرابع قبل الميلاد. وهي التي أمدت الحضارات القديمة التي قامت حول بحر إيجة وشرقي المتوسط باحتياجاتها من هذا المعدن على مدى أكثر من ألفي سنة. وبعدما كان الإنتاج في بداياته مقتصراً على جمع ما يُعثر عليه من فضة خالصة أو شبه خالصة في المجاري النهرية، طوَّر سكان خلقيدونية (في تركيا حالياً) في بدايات الألف الثالث قبل الميلاد وسائل فصل الفضة عن الرصاص في الخامات التي يختلط فيها هذان المعدنان، الأمر الذي فتح أبواب الاستخراج من المناجم.
الفضة في القرآن الكريم
ورد ذكر الفضة في القرآن الكريم ست مرات في أربع سور، ومن ضمنها ذكرت الآنية الفضية في آيتين متتاليتين من سورة «الإنسان»: «ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ….. قوارير من فضة قدَّروها تقديرا» (الآيتان 15 و16).
ورد ذكر الفضة أيضاً كجزء من متاع الدنيا وزينتها: «زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب» (سورة آل عمران، الآية 14). وهذه الآية هي واحدة من آيتين ورد فيهما ذكر الفضة بعد الذهب.
ففي الآية الثانية نجد تحذيراً من اكتناز الذهب والفضة كغاية بحد ذاتهما، بدلاً من استخدامهما في عمل الخير: « يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم» (سورة التوبة، الآية 34).
أما الآية التي يتطلب تفسيرها علماً كبيراً فهي قوله تعالى: «ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون» (سورة الزخرف، الآية 33).
فلماذا سقف من فضة لبيوت الكافرين؟
ورد في تفسير هذه الآية: “أي لولا أن يرغب الناس في الكفر إذا رأوا الكافر في سعة من الرزق ويصيروا أمة واحدة، لخصصنا هذه الدنيا بالكفار، وجعلنا لهم القصور الشاهقة المزخرفة بأنواع الزينة والنقوش، سقفها من الفضة الخالصة”.
الفضة وتنقية الماء
ونظـــراً لقـــدرة الفضـــة الفائقـــة علـــى قتـــل البكتريـــا والكائنـــات الدقیقـــة والطحالــب اســتخدمها العــرب فــي تنقیــة المــاء، حیــث كانــت المــاء توضــع فــي القــرب المصــنوعة مــن جلــد الشــاة ويمــلأ مــا يقرب مــن ثلاثــة أرباعها بالمــاء والبــاقي هواء ويوضــع فــي المــاء قطــع معدنیــة مــن عمــلات الفضــة. وفــي أثنــاء الــرحلات طويلــة المســافات تهتز القربــة فتحتــك القطــع ببعضها الـبعض ممـا ينـتج عنـه ذوبـان جـزء بسـیط مـن الفضـة فـي المـاء فـي صـورة مسحوق فائق النعومة، يؤدي إلى قتل البكتريا وتطهير الماء.
في رحلة بحثنا عن المهن الإبداعية القديمة والحديثة نلتقي دائماً بمهن حكايتها هي الكفاح من أجل البقاء للحفاظ على الأصالة والتراث، ومهنتنا اليوم هي مهنة صائغ الفضة وصانعها. وتُعد مهنة صياغة الفضة من أكثر المهن الإبداعية صعوبة، فهى حرفة الفن والجمال، وتعتبر لوناً من ألوان الأصالة وقد عرف الإنسان هذه المهنة منذ آلاف السنين، وتعتمد على النار لتشكيل الحلى الجميلة.
وتختلف هذه المهنة عن صياغة الذهب فقد تتشابه التقنيات والتدريب والتاريخ ومجموعة المحترفين، إلا أن المنتجات النهائية مختلفة بشكل كبير. مع أن العديد من صائغي الذهب يعملون بصياغة الفضة، لكن العكس غير وارد.
صياغة الفضة فن تحويل صفائح الفضة إلى آنية جوفاء أو أوعية أو صحون أو فناجين أو شمعدانات أو زهريات أو جرار وأدوات تناول الطعام وغير ذلك من المواد المنزلية الفضية، ومنحوتات الكنائس. وكما تشمل أيضاً صناعة المجوهرات.
الحليّ والمشغولات الفضّية
كما هو الحال مع الذهب فإنّ أكبر مجالات استخدام الفضّة بالإضافة إلى سكّ النقود هو في صناعة الحليّ وأغراض الزينة من الفضّيات عموماً، وفضّيات المائدة خصوصاً. هناك عددٌ من البلدان المتميّزة بالمشغولات الفضّية، من بينها اليمن، وخاصة في صناعة الحليّ والمشغولات التراثية.
من الشائع طلي الأدوات والأغراض كهربائياً بالفضّة لأغراضٍ جمالية، مثلما هو الحال في الفلوت العرضي المستخدم في حفلات الأوركسترا حيث يطلى عادة بالفضّة الإسترلينية؛ كما يطلى الزجاج بالفضّة في المرايا وأغراض الزينة. بما أن الفضّة طريّة نسبياً لذلك فإنّ الفضّة المستخدمة لأغراض الزينة غالباً ما تسبك مع فلزّات أخرى، وخاصّة النحاس، حيث تكون درجة النقاوة بالعادة 925/1000 أو 835/1000 أو 800/1000؛ كما تستخدم الفضّة أيضاً في تركيب مزيج يسمى نيلو، والذي يستخدم لزخرفة المشغولات المعدنية.
من العيوب المصاحبة لاستخدام الفضّة الخالصة في أغراض الزينة هو اسوداد السطح الذي يذهب اللمعان وذلك بسبب تشكّل كبريتيد الفضّة؛ يمكن تفادي الأمر بالسبك مع الفلزّات النفيسة الأخرى، إلّا أنّ ذلك يترافق مع ارتفاع السعر أيضاً؛ إذ أنّ السبك مع الفلزّات الوضيعة لا يحول دون حدوث تغيّر اللون والبريق. يمكن إعادة البريق إلى سطوح الفضّة بإجراء طلي كهربائي مجدّداً في أحواض لاختزال كبريتيد الفضّة أو بالمعالجة الميكانيكية. يمكن إزالة اسوداد الفضّة أيضاً بتغليف القطع الفضية برقائق الألومنيوم وغمسها وتسخينها بشكل معتدل في محلول مائي أيوني (بإضافة ملح الطعام أو الصودا أو حمض الليمون مثلاً)؛
تاريخ المهنة
في الشرق الأدنى القديم، كانت قيمة الفضة أقل من قيمة الذهب، ما أتاح للصاغة إنتاج مواد ومنتجات فضية وتخزينها في مخازن. يذكر أوغدون أنه وفقاً لفتوى مكتوبة لديقلتيان عام 301 للميلاد، كان بإمكان صائغ الفضة طلب 75 أو 100 أو 150 أو 250 أو 300 ديناراً ثمناً للمنتجات الفضية. في ذلك الوقت، شكّلت نقابات لصاغة الفضة للتحكيم في النزاعات وحماية الأعضاء وتثقيف العامّة بتجارة الفضة. شكّل صاغة الفضة في أوروبا في القرون الوسطى وإنجلترا نقابات ونقلوا أدواتهم وتقنياتهم إلى الأجيال الجديدة من خلال تقاليد المهنة. حافظت نقابات العاملين بالفضة على نسق ووضعت معايير للابتكار. في بدايات القرن السابع عشر، هاجر الحرفيون وذوو الخبرة إلى أمريكا حيث القيود أقل. نتيجة لذلك، كانت صفقات الفضة إحدى التجارات التي ساعدت في إنشاء تاريخ تقني وصناعي وتحوّل في التصنيع في أمريكا.
تعتمد هذه المهنة على مهارة الحرفي، أما طريقة العمل وأسرار المهنة فهي عند الأجيال السابقة شبه احتكار عائلي تتوارثه أباً عن جد ما جعل هذه الصناعة خاصة من نوعها، حيث يوزع العمل داخل بعض الدكاكين الصغيرة بين الصناع، فهناك من يصهر المعدن، ومن يحفر أو يرصع بالأحجار الكريمة ما يرسم جوا عائلياً حميماً.
ورغم التطورات الحديثة، إلا أن صناعة الفضة لا تزال تعتمد على الطرق التقليدية فهي عمل يدوي جد دقيق ويعتمد على آلات يدوية وتقليدية، حتى أن طريقة العمل لم تتغير كثيرا منذ حوالي المائة عام، وهذا ما يميز الفضة المصنوعة يدويا كإنتاج محلي عن غيرها من الفضة المستوردة مــن الــخــارج.
تسويق هذا المنتوج والإقبال المتزايد على الفضة أدى إلى انتعاش سوقها خصوصاً أن حلي الفضة باتت تلبي أذواق النساء بعد تحديث صناعتها، وإدخال تقنيات حديثة في ترصيع الأحجار وصياغة الإكسسوارات.
النساء يحرصن على الظهور في كامل أناقتهن فيقبلن على الحلي لتكتمل زينتهن، ومن الأفضل أن تستعمل المرأة حليا صغيرة وأنيقة على أن تستعمل حليا باهظة الثمن، ولا تمنحها الطلة الجميلة، فالتزيين لا يتطلب الكثير من المال، بقدر ما يحتاج حسن الاختيار.