العلاقة بين الطبيب والمريض
قال الطبيب والعالم والفيلسوف المسلم ابن سينا (980 – 1137): “العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة أب وابن، وأستاذ وطالب، وصديق وصديق”.
توجد أربعة نماذج للعلاقة بين الطبيب والمريض:
1. النموذج الأبوي The Paternalistic Model
2. النموذج التداولي (التبريري) The Deliberative Model
3. النموذج التفسيري (التشاركي) The Interpretive Model
4. النموذج الإعلامي (التفويضي) The Informative Model
1- النموذج الأبوي: أنا سأقرر لك.
الهدف من هذا النموذج هو تزويد المريض بما يعتقد الطبيب أنه سيكون البديل الأفضل له، حيث يتخذ الطبيب جميع القرارات من أجل ما يعتقد أنه في مصلحة المريض، ولا يسمح له باختيار بديل آخر.
الافتراضات في هذا النموذج هي أن الناس / المرضى ليسوا دائما عقلانيين أو ناضجين، وأن الأطباء الخبراء يعرفون بشكل أفضل احتياجات المرضى، وأن الأطباء المؤهلين لديهم علم وخبرة، وكذلك نوايا حسنة ونزيهة تجاه مرضاهم.
2- النموذج التداولي (التبريري) : سأخبرك بما هو أفضل لك .
الهدف من هذا النموذج هو إقناع المريض بما هو أفضل بديل له، حيث يساعد الطبيب المريض على تداول الرأي بشكل جيد من خلال الحوار والمناقشة، وفي النهاية يوافق المريض على أفضل خيار من وجهة نظر الطبيب، مع ملاحظة أن الطبيب في النهاية هو من سيقرر البديل الذي يراه الأفضل.
الافتراضات في هذا النموذج هي إقناع المريض واتخاذه شريكا في عملية علاجه، مع الوضع في الحسبان أن حياة المريض وصحته ومصلحته لا تتمثل بالضرورة في تلبية رغباته ومتطلباته طلبات، بل لابد من توافر النضج والموضوعية لتحقيق هذه الرغبات.
3- النموذج التفسيري (التشاركي): سأعطيك المعلومات وسوف أساعدك في تحقيق اختيارك.
الهدف من هذا النموذج هو مساعدة المريض في اتخاذ القرار بالاشتراك مع الطبيب، حيث يساعد الطبيب المريض على تقييم اختياراته من خلال شرح وتفسير جميع الخيارات، ثم يشاركه في صنع القرار.
الافتراضات في هذا النموذج هي أنه لدى المريض رغبات غير واعية وغير متسقة، وقد لا تعكس القرارات اللاواعية احتياجات المريض الفعلية والحقيقية، وبالتالي لابد من تواجد الطبيب مع المريض في تلك الأمور، بالذات عند اتخاذ القرارات العلاجية المصيرية.
4- النموذج الإعلامي (التفويضي): سأعطيك الحقائق، وأنت من سيختار.
الهدف من هذا النموذج هو رفع مستوى معرفة المريض، أو من ينوب عنه من ذويه، لاتخاذ القرار كاملا بنفسه، حيث يلعب الطبيب دور “الخبير الفني” الذي يقدم جميع المعلومات والحقائق ذات الصلة للمريض، ويتيح للمريض أن يتخذ القرار، ثم يقوم الطبيب بتقديم التدخل المختار.
الافتراضات في هذا النموذج هي أنه بتقسيم الحقائق والرغبات، أي باتاحة الحقائق للمريض مع وضع رغبات المريض في الاعتبار، ينتج عن هذا الوضع أفضل قيمة ونتيجة طبية، يهدف إليها المريض والطبيب معا.
العلاقة بين الطبيب والمريض يمكن اعتبارها علاقة موقفية “Situational Relationship أي علاقة تعتمد على الموقف والظروف التي يتعامل فيها الطبيب مع المريض، والطبيب هو من يحدد متى ولماذا وكيف يتخذ نموذجا معينا في التعامل مع المريض.
تعتمد هذه العلاقة الموقفية على عناصر كثيرة، منها مثلا الحالة المرضية للمريض، فلو كانت حالة المريض حالة حرجة أو خطيرة، وتستدعي تدخلا سريعا، فغالبا سيلجأ الطبيب إلى النموذج الأول، وهو النموذج الأبوي الذي يتخذ فيه القرارات السريعة والحاسمة لإنقاذ حياة المريض، وربما بدون أي اسشارة من المريض أو من أهله وممن حوله، هذا غير أن تكون حالة مستقرة أو مرضا مزمنا أو مرضا غير مهدد للحياة…الخ الخ، فيمكن للطبيب اللجوء إلى النماذج الأخرى.
تعتمد العلاقة أيضا على مدى وعي المريض ومعرفته بمرضه أو حالته، ومدي تعليمه وثقافته فيما يتعلق بمرضه، فكلما زادت معرفة المريض أو من ينوب عنه بالمرض وخيارات العلاج، كلما أمكن إشراك المريض أو من ينوب عنه في طرق العلاج، وهنا تبرز النماذج الثلاثة التشاركية غير النموذج الأبوي، وعلى حسب وعي وعلم ومعرفة المريض أو ذويه بالحالة المرضية.
تعتمد العلاقة أيضا على مكان العلاج، سواء كان المستشفى أم العيادة أم المنزل، وتعتمد على تكلفة العلاج المادية ومدته والأعراض الجانبية التي يمكن أن تنشأ عنه، وتعتمد أيضا على الإمكانات والوسائل الطبية والعلاجية والجراحية المتاحة وقتها…الخ الخ.
أخيرا وليس آخرا؛ العلاقة بين الطبيب والمريض هي علاقة قيادة وصداقة وتواصل، تهدف أساسا إلى تحقيق رفاهة المريض Patient Well Being، ويقال دائما أن مسؤلية الهيئة الطبية، أي كل العاملين في مجالات الصحة والطب والعلاج والدواء، هي “إضافة قيمة لحياة الناس”.
ليس فقط إضافة سنوات إلى الحياة، ولكن أيضا إضافة حياة إلى السنوات.
Not only Adding Years to Life, but also Adding Life to Years
أي أن هدف المنظومة الصحية كلها في المقام الأول هو جعل الناس يتمتعون بحياة أطول وأفضل معا.
د. هانى سليمان