الصحة المستدامة

العلاج بـ” الهوميوباثي”.. “وداوها بالتي كانت هي الداء”

العلاج بالمثل أو الهوميوباثي هو أحد فروع الطب الذي يعتمد على مبادئ ثلاثة: العلاج بالمثل, أو حسب المقولة العربية “وداوها بالتي كانت هي الداء”؛ فمثلاً كانت أعراض الرشح الظاهرة على المريض تشبه أعراض التسمم بالزئبق فإن دواء الهوميوباثي المشتق من الزئبق هو علاج هذه الحالة.

الجرعة الدنيا: يكون الدواء فيه مخففاً بحيث يقابل كل جزء من المادة الفعالة جزء تقريباً من الماء.

دواء وحيد: يحاول طبيب العلاج بالمثل في معظم الأحيان إعطاء دواء واحد يناسب كل الأعراض التي يعاني منها المريض. غير أن بعض الأطباء يصفون أحياناً لمرضاهم وصفات محتوية على أكثر من دواء أيضاً لأسباب معينة.

الوصول إلى السبب الحقيقي المؤدي إلى نشوء مرض معين واستئصاله من خلال تنشيط نظام المقاومة في الجسم وتقوية قدراته على التصدي لذلك المرض, خلافاً للطب الإخلافي.

إن مبادئ مشابهة توجد في بعض معالجات الطب التقليدي أو طب العلاج الإخلافي أيضاً, وذلك فى معالجة بعض الأمراض الأرجية _أمراض الحساسية) بإعطاء المادة المؤرجة (المحسسة) بجرعات صغيرة وبشكل متزايد, وفي اللقاحات التي تحرض الجهاز المناعي تجاه العامل الممرض الموجود فيها بشكل مضعف أو معطل أو ببعض أجزائه. ولكن هناك فارق مهم عن الطب الإخلافي أو التقليدي وهو متعلق بقوة الدواء, فمن المعهود أن قوة الدواء تزداد كلما ازدادت فيه المادة الفعالة فيقال مثلا: ان المضاد الحيوي أو أي دواء آخر من عيار 500 أو 1000 أي أن شكله الصيدلاني يحوي 500 ملغ او 1000 ملغ, اما فى دواء العلاج بالمثل فالقوة تزداد كلما تناقصت تركيزات الدواء, فالدواء الذي قوته 2 هو أعلى قوة من الدواء الذذ قوته1, لكنه يحتوي عُشر المادي الأساسية ففعالية الدواء تزداد بازدياد القوة وبتناقص تركيز المادة الاساسية فيه.

كما انه لابد من الإشارة إلى تعبير اصطلاحي موجود فى العلاج بالمثل, وقد يكون غير مألوف عند طبيب العلاج الإخلافي, وهو القول بان لدواء العلاج بالمثل أعراضاً. وهذا يعني أن أي دواء إن أُعطي لشخص صحيح فسيحدث عنده أعراضا تدعى أعراض الدواء, وإن أُعطي الدواء نفسه لمريض يشكو من تلك الأعراض التي ظهرت على الشخص السليم لشفاه, وهو مبدأ العلاج بالمثل.

والعلاج بالمثل طب مستخدم على نطاق واسع فى العالم وياتي بالدرجة الثانية من حيث الاستخدام والانتشار, وهو قليل الشيوع فى البلدان العربية بسبب عدم معرفته من قبل معظم أطباء الطب الإخلافي فيها, وهو شائع جداً فى أوروبا والهند وأقل منهما الولايات المتحدة الأمريكية. ويوجد فى الهند وحدها أكثر من 300 مستشفى للعلاج بالمثل. وفي إحصائية أجريت بين 1985 و 1992 وجد ان 56% من سكان بلجيكا يتداوون بهذا النوع من الطب, وهذه النسبة نحو 28%, 32%, 16% و3% في كل من الدينمارك وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على التوالي؛ وهي في ازدياد.

أسباب الانتشار

إن نجاح انتشار هذه النوع من العلاجات في العالم يعود إلى أسباب عديدة منها:

  • فعالية العلاج بالمثل؛ فعندما يعطى العلاج المناسب تكون النتائج سريعة وفعالة ومستديمة.
  • هو علاج آمن؛ فيمكن حتى للرضع والحوامل ان يستخدموه دون خشية التأثيرات الجانبية.
  • هو علاج طبيعي يتألف عادة من مواد طبيعية.
  • يعمل بتناسق تام مع الجهاز المناعي على عكس بعض العلاجات الإخلافية التى تثبط الجهاز المناعي.
  • لا توجد ظاهرة الإدمان والتعود في أدوية العلاج بالمثل.
  • هو علاج كلي يعالج كل الأعراض كعرض واحد فهو يتوجه إلى السبب وليس إلى معالجة عرضية, وهذا يعني أن الأعراض التي يداويها العلاج بالمثل غالباً ما لا تعاود.

وقد تبين أن معظم الذين يلجئون للعلاج بالمثل هم ذوي الأمراض المزمنة التي عجز الطب الإخلافي عن شفائها, وقليل من هؤلاء هم الذين يخشون الاختلاطات العالية النسبة لبعض أمراضهم إن عولجوا وفق الطب الإخلافي.

مقارنة

وبمقارنة بسيطة بين الطب التقليدي والعلاج بالمثل نرى: أن أعراض المرض بالنسبة لطبيب العلاج بالمثل هي محاولات الجسم لشفاء نفسه, أما العلاج الإخلافي فهو يعمل عموماً على تثبيط وكبت ردود الفعل الطبيعية للجسم, فيعطى مثلاً مثبط السعال لوقف السعال ويعطى المسكن لوقف الصداع… إن فلسفة الطب الإخلافي أو التقليدي تعمد تجاهل الجهود التى يبذلها الجسم لشفاء نفسه بل وتحدث أضراراً في آلياته.

تأسيس الهوميوباثي

يعود الفضل في اكتشاف هذا الطب للطبيب النمساوي هانيمن, ولد في عام 1755م. واسمه بالكامل صاموئيل كريستيان فريديريك هانيمن وكان مولعاً بتعلم اللغات, فتعلم ثماني لغات بإتقان. حين بلغ من العمر 12 عاماً بدأ يدرس اللغة اليونانية وهكذا أصبح استاذاً للغات في سن مبكر جداً. أصبح يعلم الطب فى مدينة Leipzig  في النمسا. ثم سافر إلى فيينا ومن هناك انتقل إلىErangen  حيث أصبح دكتوراً في الطب عام 1779م.

كان يحسن كثيراً إلى الفقراء أثناء ممارسته الطب فلم يكن داخل كثيراً وبالتالي بدأ الترجمة من لغة إلى أخرى إلى جانب ممارسة الطب. ثم بعد ممارسته الطب التقليدي عشر سنوات أوجد طب الهوميوباثي, وظل يجري التجارب على نفسه وعلى أقاربه إلى ست سنوات. ثم أخبر العالم عن فلسفة الهوميوباثي لأول مرة عام 1796م عن طريق نشر المقالات في الدوريات الطبية. وفي عام 1810م ولأول مرة نشر كتابه الشهير (THE ORGANON OF RATIONAL MEDICINE) . ثم جهز بين عام 1811م و 1824م موسوعة الأدوية وخالفه بشدة حينئذ جميع الأطباء المنخرطين بالطب التقليدي السائد. وفى عام 1820م أصدرت الحكومة –متأثرة بضغط المخالفين- مرسوماً أعلنت فيه أن الهوميوباثي علاج غير شرعي من الناحية القانونية, وبدأت محاكمة الدكتور هانيمن. ولكن قبل أن ينفذ قرار المحكمة استدعى هانيمن أمير النمساkarl schwarzenberg  إلى مقره وعالجه بنجاح. استفاد الأمير من هذا العلاج كثيراً حتى طلب من ملك النمسا أن يرفع الحظر من الهوميوباثي وألا يُفرض عليه أي حظر فى المستقبل ايضاً. ولكن لسوء حظ هانيمن ان الأمير بعد شفائه الكامل تورط فى التصرفات الشاذة والإدمان على الكحول, فسط فى العام نفسه مريضاً بالمرض نفسه. فعالجه هانيمن بالطب التقليدي ولكن الأمير لقى مصرعه خلال فترة وجيزة. فألقت حكومة النمسا اللوم كله في ذلك على الدكتور هخانيمن, مما أثار غضب الشعب ورد فعله الشديد ضده وأصبحوا يحرقون كتبه حتى اضطر إلى الفرار من البلد واللجوء إلى cothen حيث تولاه واعتنى به أميرها فمكث هنالك 14 عاماً وقام ببحوث علمية فى الامراض المزمنة حتى نُشر المجلد الأول من هذه الأعمال العلمية عام 1828م.

توفيت زوجته في 1830 وعلى إثر ذلك تزوج من سيدة فرنسية وانتقل إلى باريس, وظل يمارس الهوميوباثي فى فرنسا من عام 1835 إلى وفاته فى عام 1843م.

المراد من الهوميوباثي هو العلاج بالمثل أي علاج الامراض عن طريق مواد تخلق أعراضاً مشابهو لها. وهذا النوع من العلاج كان مبنياً على أسس معاكسة تماماً لما كان رائجاً وسائداً إلى زمن الدكتور هانيمن.

الغريب فى الأمر ان بعض الأمراض في ذلك الوقت كانت تعمل حسب مبادئ الهوميوباثي نفسها غير أن المعالجين ما كانوا يعرفون هذه المبادئ. بل كانوا يستعملون بعض الأدوية من أجل الشفاء فى نطاق الهوميوباثي محدود.

اكتشف هانيمن أدوية كثيرة من هذا القبيل أثناء ممارسته الطب التقليدي, وتفكر في كيف أن الادوية نفسها تخلق مرضاً, والكمية الصغيرة منها تزيل هذا المرض أيضاً. وفى أثناء هذا التأمل تعرف على نظام الدفاع في جسم الإنسان. كان الأطباء حينئذ يعرفون بشكل عام ان جسم الانسان يملك قوة للدفاع ولكنهم لم يعرفوا مدى شمولية هذه القوة وما هى المبادئ التى تعمل تحتها. كما لم يعرفوا كيفية استخدام هذه القوة الدفاعية ضد الأمراض التى تظل تتفاقم في الجسم. هذا هو سر الهوميوباثي؛ وإلى الدكتور النمساوي هانيمن يعود الفضل في الكشف عنه. لقد فهم النظام الدفاعي الطبيعي الموجود في جسم الإنسان بعمق ولاحظ قوته المذهلة التى تجعل الإنسان المعاصر ايضاً في حيرة من أمره حين يمعن النظر فى تلك القوى العظيمة والدقيقة التى وهبها الله تعالى لجسم الإنسان, غير أن التجربة تجعل الإنسان مضطراً لليقين بذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى