البيـئة والتنمية المستدامة
د. سند السبيعي/ أستاذ الأحياء المشارك بجامعة شقراء
الإنسان جزء من البيئة، فيها تكمن أسباب بقائه، وأسباب فنائه، ومنها وفيها مصادر سعادته، وتعاسته أيضا. أن استدامة البيئة تعني باختصار استدامة الجنس البشري على الأرض، والعكس صحيح. عبر الأجيال والعصور تعلّم الإنسان كيفية استغلال البيئة وتطويعها لتوفير احتياجاته، إنما من الملاحظ خلال المائتي عام الماضية أن علاقة الانسان بالبيئة قد تغيرت، أو بالأحرى “تغوّل” الانسان على البيئة، وكلما ارتفع سقف المعرفة والتطور لدى بني الإنسان كلما هوت المستويات الآمنة لوضع وحالة البيئة على مستوى العالم غالباً. هذه علاقة طردية تسير بنا إلى مصير محتوم وقدَر يحمل الكثير من التشاؤم، فبهذا الأسلوب من الاستغلال المجحف للموارد الطبيعية من جانب، ومضار انتاج المواد التي ننتجها على البيئة من جانب آخر، لا يقودنا محور الاسقاط إلا إلى نهاية واحدة، وجميعنا يعرفها حتى وإن رفضنا الاعتراف بها.
تحديات بيئية مختلفة بدأت تهدد الأجيال الناشئة نتيجة للتقدم الاقتصادي الهائل وما نجم عنه من استغلال لمختلف الموارد البيئية الطبيعية. تبدو جليا تلك العلاقة الطردية بين تحسين مستوى المعيشة لأفراد المجتمع مع تزايد تطورات التنمية وما تحدثه من أضرار بيئية وصحية وسلوكية متزايدة مع مرور الزمن.
هناك محاولات خجولة للتحذير مما ستؤول إليه الأمور مع الوقت، ولكنها كما أشرنا – خجولة – وأشد ما نخشاه على الأجيال القادمة أن نصل إلى مرحلة يقال لنا عندها: “لقد تأخرتم!” لقد قرعت أجراس الخطر بالفعل، وإن لم يحدث التغيير حالاً، فمتى إذاً؟ ينبغي علينا جميعاً المساهمة باتخاذ خطوات ملموسة للحفاظ على مواردنا البيئية وتحسين جودة حياتنا في إطار التنمية المستدامة لتتوفر لنا جميعاً بيئة سليمة صحية ومتزامنة مع هذه التنمية العصرية في بلادنا مما يحقق مستوى معيشة راق يحفظ سبل العيش والكرامة للمواطن على أرض وطنه.
وقد حققت المملكة العربية السعودية ولله الحمد تقدماً كبيراً في مجال حماية البيئة ومواردها من خلال دعم الحكومة الرشيدة للجهات المسؤولة لتحقيق الخطط التنموية الخاصة بحماية البيئة والتنمية المستدامة وعلى رأسها وزارة البيئة والمياه والزراعة.
إن النهوض بالبيئة يتطلب السعي والعمل على تنمية مختلف مواردها المتنوعة وتحسين وترشيد استخدام هذه الموارد والمحافظة على التنوع البيئي. ومن هذا المنطلق ينبغي أن تقوم وزارة التعليم في بلادنا بدعم مبادرة التثقيف والتوعية البيئية لتزيد من وعي الإنسان وتعزيز قدرته على اتخاذ القرارات البيئية وإدراكه لمتطلبات الفترة القادمة واحتياجاتها.
ومن هذا المنطلق، نتقدم بمقترح لوزارة التعليم بإدراج مقرر دراسي لطلاب الثانوية والجامعات بمسمى 🙁مقدمة في البيئة والتنمية المستدامة). وتدريسه نظريا وعمليا وتطبيقيا أسوة ببعض الدول لتعريف المجتمع بأهداف التنمية المستدامة وتحقيقها والمشاركة في تحقيق هذه الاستدامة.
ذلك لأن الأجندة أو الرؤية العالمية تسعى لتحقيق الاستدامة والتي تعتمد على ثلاثة أركان أساسية: “علم البيئية والاجتماع والاقتصاد”، والتي تعد مصدر للتوازن والتفوق للدول في هذا العصر، وسعياً منّا – بشكل خاص – لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بحماية البيئية وتحسين جودة الحياة، وكذلك طبقاً للمادة السابعة البند رقم (10) من نظام وزارة البيئية والمياه والزراعة والتي تنص على: (التزام الجهات المسؤولة عن التعليم بكافة مراحله بتضمين المفاهيم البيئية الأساسية والمعلومات الأرصادية الأساسية في المناهج الدراسية…).
وصف للمقرر:
يتم تصميم هذا المقرر لتقديم المفاهيم الأساسية البيئية والتنمية المستدامة لمختلف طلاب وطالبات المرحلة الثانوية والجامعات والكليات في بلادنا، ويتم التركيز في هذا المقرر على البيئة وعلاقتها بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتنمية المستدامة بأساليب وطرق تعليمية مختلفة.
أهداف المقرر والنتائج المرجوة:
- فهم الطالب للمفاهيم البيئية الأساسية.
- حصول الطالب على فهم أفضل للتحديات البيئية ووسائل تحقيق التنمية المستدامة.
- تمكين الطالب من تحليل العلاقات المعقدة بين النظم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
- إدراك الطالب لأهمية الأخلاقيات البيئية.
- اكتساب الطالب للمهارات الأساسية لأجراء البحوث والكتابة والعروض التقديمية حول المواضيع البيئية.
النتائج المتوقعة:
توجد العديد من النتائج الإيجابية التي سيتضح أثرها على مختلف أفراد شرائح المجتمع في ظل التطور العالمي المضطرد في مجالات التنمية، ومنها: –
- تهيئة الجيل الحاضر لمتطلباته الأساسية والمشروعة دون الإخلال بالمحيط الطبيعي للبيئة وعناصرها الهامة.
- ترسيخ الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية تجاه حماية البيئة واتباع السلوكيات والأنماط الإيجابية بيئياً.
- الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية لضمان استدامتها حفاظا على حقوق الأجيال القادمة.
الأثر البيئي المتوقع:
- يمكن تصوّر الأثر على أنه تشجيع على الاستثمار في مخلفات البيئة المختلفة مما يشكل نوع من الاقتصاد البيئي الواعد والمشجع في الاستثمار لهذا النوع، وهو ما يعرف بالاقتصاد الدائري الذي تسعي اليه معظم الدول مما يوفر فرصاً استثمارية للأجيال القادمة ومورداً اقتصادياً هاماً وقوياً.
- التخلص من النفايات العضوية بتحويلها إلى سماد حيوي مخصص للتربة مما يقلل من الضغط على بقايا المخلفات ويقلل أيضاً من غازات الاحتباس الحراري (برنامج الامم المتحدة).
- تعتبر النفايات “ثـروة مهدرة”، وقد بدأت عدة حلول ومقترحات للتخلص من النفايات بطرق آمنة وصحية، والاستثمار فيها في إطار “الاقتصاد الدائري” الذي يعد من الاقتصاديات الناجحة على مستوى العالم، ذلك أن إدارة النفايات تحقق عوائد صحية ومادية مهولة وتحمي مقدراتنا الطبيعية وتوفر فرص استثمارية كبيرة في بلادنا الغالية.
- تغيير السلوكيات البيئية السلبية إلى سلوكيات إيجابية من خلال ترشيد استهلاك الموارد وحماية الثروات الطبيعية التي حبانا بها الله.
وختاماً…
تتمثل التنمية المستدامة في عمارة الأرض وإصلاحها بما لا يُخل بالتوازن البيئي، وعدم استنفاذ العناصر الضرورية للحفاظ على سلامة البيئية، والحد من تعرض الأرض وما عليها لمختلف أنواع التلوث، وبما يحقق توازن بيئي مستدام على هذا الكوكب.
أن محافظتنا على استدامة الأرض هي بذاتها محافظة على سر بقائنا عليها. فلنمنح الأجيال القادمة فرصة للعيش!